وأقول مثل ذلك في الصبي والشيخ والشاب، والذكر والأنثى، والصحيح والسقيم قلقٌ في المال، وفزعٌ من المستقبل المجهول، وشعورٌ بالوهن عن حمل المتاعب، وميل الإنسان إلى التوجس حتى من أبعد الأمور احتمالاً، والتي سببت من خلاله الحضارة المادية الحديثة سوء الظن بالله، وزعزعة الثقة به وبحكمته وعدله إلا من رحم الله، مما هو في الحقيقة سرٌ ولا شك، في قيام الكهانة والدجل، والوقوف على أعتاب العرَّافين والمشعوذين بحثاً عن حلٍّ لمشكلاتٍ استيئسوا هم من حلها، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولسان حالهم يقول: وداوني بالتي كانت هي الداء.
وهو كذلك! سر لقيام ما يُسمَّى شركات التأمين، وتغلغل فروعها، واستثمان ورمها في أرجاء الدنيا العامة، وكأنهم موكلون في حماية الناس من قدر الله جلَّ وعلا، فاستحوذت تلك الشركات على قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، مستغلة بذلك خشية الخوافين على أعمارهم حيناً، وعلى أموالهم وممتلكاتهم حيناً آخر، والذي يُساورهم القلق من أجلها، والمستنكر هنا -عباد الله- استباحة التأمين لدى الجماهير من الناس على كافة أصقاعهم، في حين أن جمهور أهل العلم على تحريمها والمنع منها، لأدلةٍ ومسوغاتٍ ليس هذا محل بسطها.
ناهيكم -أيها المسلمون- عن الشين والعيب في المتاجرة بالذعر الناشئ عن خور اليقين، والفرث الذي استحوذ على ضعاف النفوس، عندما يدفعهم الشك وقلة الإيمان بقضاء الله وقدره إلى ارتقاب الموت أو الخسار كامناً لهم في كل أفق، فتفزعهم الهمسة، وتؤلمهم اللمسة، ولا يعرف السم إلا من كابده، وما راءٍ للسم كمن شرب.