للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف يأتي التغيير]

إن رياح التغيير -عباد الله- لا تهب عليلةً دون كدرٍ أو قتر، كما أنها لا يُمكن أن تهب إلا من داخل صف المسلمين أنفسهم، ومستقبل المسلمين لا يمكن أن يصنعه من لا يخاف الله ولا يُؤمن بشرعته، بل لا بد أن يصنعه المسلمون أنفسهم، انطلاقاً من شرعتهم الغراء، وخارجاً عن إطار القوميات والإقليميات والعصبيات الجاهلية، وإن المسلمين متى ما أروا الله من أنفسهم صدقاً في التصحيح، وعلم الله فيهم خيراً في حسن المقصد، وصدق اللجوء إليه، مهما كان الواقع الأليم الذي يعيشونه ويعانون فيه الأّمرين، فإن ذلك ليس بمانعهم أن يقلب كربهم فرجاً، وترحهم فرحاً، يقول الله -جلَّ وعلا- عن أسرى بدر من المشركين: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال:٧٠] .

فالعودة إلى الله سببٌ في الفلاح وسر في النجاح، غير أن العودة لا يمكن أن تكون بمجرد شقشقة لسانٍ، أو حركة ببنان، أو بوعودٍ كاذبة في التصحيح والاستقامة فور انكشاف الكربة وانقشاع الغياية، كلا.

فتلك وعودٌ كاذبة لو انطلت على بعض البشر فإنها لا تخفى على رب البشر، ولذلك أعقب الله حديثه عن الأسرى بقوله: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٧١] .

فالحاصل -عباد الله- أن استقامة المجتمع وفلاحه ونجاحه في سياسته العامة، وبلوغه المكانة العالية، إنما تجيء من الحرص على التكامل، وتهذيب النفوس من الوحشة والنفرة بعد تحقيق الصلة بالله، ولدى المسلمين في مجتمعهم الحاضر كنوزٌ مشحونةٌ بمثل هذه المعاني الغضة تسع أهل الأرض جميعاً لو قُسِّمت بينهم، ولكنهم عن ذلك ذاهلون، وفي نيل الغاية الأسمى مُفرطون: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [النمل:٩١-٩٣] .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يُجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وآتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اجعل ما أنزلته سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرق ولا استدراج يا ذا الجلال والإكرام، اللهم لتحيي به البلاد، وتسقي به العباد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.