[قضاء الإسلام على عبادة الأوثان]
لقد أضاء النبي صلى الله عليه وسلم الطريق وأوضح السبيل، وطهر الله به جزيرة العرب من رجس الوثنية، وهيمنة الأصنام والتماثيل، وكان كبير هذه الأصنام هبل وهو بأعلى مكة وحوله ثلاثمائة وستون صنماً كلها من الحجارة، فطعن فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة حين دخوله الكعبة يوم الفتح وهو يردد قول الله: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:٨١] .
يقول القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: فيها دليل على كسر نصب المشركين، وجميع الأوثان إذا غلب عليها.
يقول ابن المنذر رحمه الله: وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من الدر والخشب وشبهها.
عباد الله: لقد حطم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصنام حول الكعبة وبعض الصحابة كان يردد:
يا عزى! كفرانك لا غفرانك إني رأيت الله قد أهانك
ويبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سراياه إلى الأصنام التي كانت حول مكة، ونادى مناديه بـ مكة قائلاً: [[من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره]] فيبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها فهدمها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {هل رأيت شيئاً؟ قال: لا.
قال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها، فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عجوز عريانة سوداء، ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال: نعم تلك العزى وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبداً} رواه النسائي.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى سواع وهو صنم لهذيل فاعترضه السادن فقال: لا تستطيع أن تقتله، فإنك ستمنع منه، فدنا منه رضي الله عنه فكسره فأسلم السادن بعد ذلك.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن زيد إلى مناةٍ فهدمها، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين ليهدمه فهدمه، وجعل يحشي النار في وجهه ويحرقه ويقول:
يا ذا الكفين! لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حششت النار في فؤادكا
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى الفلس؛ وهو صنم لطيء، فهدمه هو ومن معه.
وكما بعث جرير بن عبد الله البجلي في سرية لكسر صنم ذي الخلصة بـ اليمن.
بهذا كله -عباد الله- يجدد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة أبيه إبراهيم وإخوانه الأنبياء، فلقد قال إبراهيم سائلاً ربه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥] وقال لقومه: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء:٥٧] .
ويجدد النبي صلى الله عليه وسلم فعل موسى مع السامري حين قال له: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً} [طه:٩٧] .
أيها المسلمون: لقد كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم من الأصنام والتماثيل بارزةً للعيان قولاً وفعلاً، بل إنه لم يقتصر كسره للأصنام على ما عبد من دون الله، أو على ما عظم كتعظيم الله فحسب، بل تعداه إلى التماثيل التي تتخذ في البيوت ونحوها، على هيئة الاقتناء والزينة ولو لم تعبد، فقد جاء عند أبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه على باب البيت تماثيل -الحديث وفيه:- أن جبريل أمره برءوس التماثيل أن تقطع فتصير كهيئة الشجر} .
ومعلوم -عباد الله- أنه لا يقول عاقل ألبتة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ هذا التمثال للعبادة أو للتعظيم، وإنما كان لمجرد الاقتناء، كيف لا، وقد سأله