الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
فإن ثالث الأسباب -عباد الله- في مخاصمة السنة: يكمن في ميل بعض المخاصمين إلى أهل الغرب والإعجاب بهم، والحرص على مسايرة ركبهم رغبة في اللحاق بهم، ونزع معرة التخلف التي وسموا بها -على حد زعمهم- من خلال التقيد الكامل بما دلت عليه النصوص الشرعية، مما لا يمكن بسبب العمل بها أن يلتقي هؤلاء وأولئك، مما سبب تلك المواقف الصارخة، والتي ولدتها بعد ذلك العداوة للنصوص، فنظروا بعين عداوة، ولو أنها عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا، وهذا الميل الجارف لأهل الغرب، ولد لدى من يحبهم شيئاً من المحاكاة في الطبع والمنهج.
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أصل مثل هذه المسألة فقال: إن الله تعالى جبل بني آدم -بل سائر المخلوقات- على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يئول الأمر إلى ألا يميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط.
ثم يستطرد رحمه الله مؤكداً على ما تزعمه في هذا الإطار فيقول: وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام.
ولله در الحافظ ابن حجر، فقد أحسن حيث قال: وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرهاً، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأنَّ من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف.