[سد الذرائع والحيل المفضية إلى الحرام]
عباد الله: ومن الدروس أن الشارع الحكيم جاء بسد الذرائع المفضية إلى ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن شيئاً من أنواع الحيل الموصلة إلى ما حرم الله، لا يجوز ألبتة، لأن الحيل طرق خفية، يتوصل بها إلى حصول الغرض بحيث لا يتفطن لها إلا بنوع من الذكاء والفطنة.
وهي وإن أخفاها المرء فقد تخفى على جملة من البشر، لكنها لا تخفى على رب البشر، إذ إنها من باب الإلحاد في حدود الله، وهو الميل والانحراف عنها: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:٤٠] .
وأياً كانت هذه الحيل في العبادات، أو المعاملات، أو الأحوال الشخصية، أو نحوها، فإنه لا يجوز فعلها للوصول إلى المحرم من طرف خفي، ولربما انتشر مثل هذا في أوساط الكثيرين لا سيما في البنوك والمصارف، أو في الهيئات والشركات المتعهدة في اتخاذ طرق ومرابحات دولية أو مضاربات صورية، إنما هي في حقيقتها حيلة على أخذ الربا؛ فيخدع ببهرجتها السذج ويغرر بها الذين ينشدون الكسب الحلال؛ فيوقعونهم في شرٍ مما فروا منه، دون الرجوع إلى أهل العلم والمعرفة في كشف حقيقة تلك المرابحات، ما يجوز منها وما لا يجوز، وكذا الحيل في التخلص من الزكاة بتفريق المجتمع، وجمع المتفرق، ولقد كتب أبو بكر رضي الله تعالى عنه فريضة الصدقة، التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها: {ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة} رواه البخاري.
ومن ذلك -عباد الله- الحيل في إباحة المطلقة طلاقاً لا رجوع فيه نتيجة شقاق ورعونة عقلٍ أعقبها ندم ولات ساعة مندم، ثم لا تسألوا بعدها -عباد الله- عن كذا حيلة وحيلة يزورها في نفسه، ويخدع بها في إباحة ما حرم الله من لا يعرف الحيل.
إلا على المحتال فهو طبيبها يا محنة الأجيال بالمحتال
عباد الله: ولا غرو أن يقع أولئك في الإثم والتعدي على حدود الله، متناسين بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أبو عبد الله بن بطة بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل} .
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها} وغير ذلك كثير وكثير، وما الأمثلة المطروحة إلا شعبة في واد، ونزة من نبع، القصد من ورائها تنبيه الغافلين وإنذار المتغافلين، والتأكيد الجازم على خطورة شيوع الحيل المحرمة، وما تودي به من كدر في الصفو، وعطب في النية والمقصد، وهي وإن تقالهّا ثلة من الناس، فإن هذا لا يهون من شأنها،
إن القليل بالقليل يكثر كما الصفاء بالقذاء يكدر
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.