للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الرؤى]

ثم إن الناجين من هذه الظاهرة قد لا يسلمون من تطلعٍ آخر يحملهم عليه الشغف وروم معرفة الحال اللاحقة، والتي يظنون أن لها ارتباطاً وثيقاً باستقرار مستقبلهم من عدمه؛ فاشرأبت نفوسهم إلى الوقوف على ذلك في مناماتهم من خلال ما يعتريهم من رؤى وأحلام، ولذا فإن أحدنا قد يلاقي أخاً له أو صديقاً فيراه عبوساً متجهماً، أو فرحاً؛ مسروراً فيزول عنه العجب حينما يعلم أن سبب هذا الفرح أو الحزن رؤياً مؤنسة، أو أخرى مقلقة.

وهذا الأمر -عباد الله- ليس قاصراً على أفراد الناس وعامتهم فحسب، بل يشركهم فيه العظماء والكبراء، فكم أقضت الرؤيا عظيماً من مضجعه، وكم بشرت الرؤيا أفراداً بمستقبلهم، وكم شغلت شعباً كبيراً برٌمَّته، وما رؤيا يوسف عليه السلام بغائبة عنا، ولا رؤيا ملك مصر بخافية علينا، فقد اجتمع فيها تبشيرٌ وتحذيرٌ في آن واحد، إذ بشارتها هي في السعة عليهم في الرزق سبع سنين، ونذارتها هي في الجدب والقحط سبعاً مثلها.

عباد الله: إن الرؤى لها أهميتها الكبرى في واقع الناس قبل الإسلام وبعد الإسلام، لكنها من خلال نظرات المتعلمين المثقفين قد تتفاوت تفاوتاً كبيراً باختلاف المرجعية من قِبَل كل طائفة، فقد أنكرها الفلاسفة ونسبوا جميع الرؤى إلى الأخلاط التي في الجسد، فرأوا أنها هي التي تُحدِث انعكاساً مباشراً على نفس الرائي بقدر هيجان الأخلاط التي في جسده، ولبعض علماء النفس موقفٌ سلبيٌ تجاه هذه الرؤى -أيضاً- قاربوا فيه قول الفلاسفة، فجعلوها خليطاً من الأمزجة والرواسب التي تكمن في ذاكرة الإنسان فيهيجها المنام، حتى قصروا أمرها في قالب مادي بيولوجي صرف كما زعموا.