للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[درء المفاسد مقدم على جلب المصالح]

الحمد لله حمد من يشكر النعمة ويخشى النقمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، معلمنا الكتاب والحكمة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء البررة.

أما بعد:

فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن لله الدين الخالص، وأن على كل مسلمٍ ومسلمة تطهير النفوس من الدواخل والشواغل الصارفة عن أن يعبد الله وحده في الأرض، كما أن علينا جميعاً الامتثال لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتقديمهما على أنفسنا أو الوالدين والأقربين، وليحرص الناس جميعاً على تطهير مجتمعاتهم من رجس الأصنام والتماثيل قدر الطاقة -لاسيما مما يتكاثر انتشاره في البيوت من باب الزينة والاقتناء- لأن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه تمثالٌ أو صورة، وقد كان الفاروق رضي الله عنه إذا دعي إلى وليمة سأل الداعي إن كان في بيته شيءٌ من التماثيل أو الصور، فإن قال: لا.

أجاب دعوته.

ألا فإن درء المفاسد وسد الذرائع المفضية إلى الشرع لأمر جلل ينبغي ألا يغفل عنه المسلمون بعامة، فما قطع عمر لشجرة الرضوان إلا من هذا الباب، ثم إن اتخاذ التماثيل والأصنام أو تعظيمها، وتعظيم الأضرحة لهو أمرٌ حادثٌ في الإسلام، وإحداثه لم يكن متصلاً بأهل العلم والتقوى، وإنما هو من إدخالات ذوي الأهواء والجهالات، وذوي السلطة والغلبة، إذ في القرآن الكريم إشارة إلى مثل هذا بقول الله تعالى عن أصحاب الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} [الكهف:٢١] لقد استفحل هذا الأمر في هذه العصور المتأخرة حتى وقع بعضهم في شرك الربوبية والألوهية، فاعتقدوا في بعض أهل القبور، وصوروا لهم الأصنام والتماثيل، وزعموا أنهم يعلمون الغيب، ويجيبون من توجه إليهم، وأن منهم من له القدرة على تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، حتى صارت كالأنصاب التي يتخذها مشركو العرب، فأقسموا بها واستشفعوا واستنصروا ولاذوا، بل سيبوا لها السوائب، وساقوا إليها القرابين، بل ولربما جعلوها نصباً تذكارية لعظيمٍ، وجعلوا لها من الحرمة والعظمة وعقوبة الاعتداء عليه ما لا يجعل لمن اعتدى على دين الله، أو سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد تحدث ابن القيم رحمه الله معلقاً على غزوة النبي صلى الله عليه وسلم للطائف، وهدمه صنم اللات فقال: وفي ذلك من الفوائد: أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، وكذا حكم الأضرحة والقبور التي اتخذت أوثاناً تعبد من دون الله، وكثيرٌ منها بمنزلة اللات والعزى ومنات، أو أعظم شركاً عندها وبها، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وغلب الشرك على أكثر النفوس؛ لظهور الجهل، وخفاء العلم، وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعةً والبدعة سنةً، واشتدت غربة الإسلام، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، واحرصوا على إقامة توحيد الله في الأرض تفلحوا، ويتحقق لكم النصر والتمكين، وتجعل لكم العاقبة في الأولى والآخرة.

ألا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا؛ اللهم لتحيي به البلاد، وتسقي به العباد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.