ألا فاتقوا الله أيها الصائمون القائمون! وتنفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، فـ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:١٨] وإلا فما يصنع بالدنيا مَن خُلق للآخرة؟! وما يصنع بالمال مَن عمَّا قليل سيُسْلَبُه وتبقى عليه تَبِعاتُه وحسابُه؟!
فالله الله وأنتم سالمون في الصحة قبل السقم، وفي الفسحة قبل الضيق، ويا لَفوز مَن سعوا في فكاك رقابهم من قبل أن تغلق عليهم رهائنها!
ألا إن لله عتقاء من النار في هذا الشهر المبارك، وأما هذه الدنيا فهي غرارة ضرارة، حائلة زائلة، لا تعدو أن تكون بزخرفها كما قال الله تعالى:{كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}[الكهف:٤٥] .
إنه ما بين أحدنا وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به, وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة مهما طالت، وإن غائباًَ يحدوه الجديدان -الليل والنهار- لَحَرِيٌّ بسرعة الأوبة.
فرحم الله امرأً قدم توبته وغالب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزين له المعصية والتفريط ليركبهما، ويمنيه التوبة ليسوفها {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً}[النساء:١٢٠] .