للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تمسك الأمة بدينها هو سر أمنها واستقرارها]

إيها المسلمون: إن البعد عن زمن النبوة مظنة -ولا شك- في البعد عن تعاليمها وآدابها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم} ، ويقول أيضاً: {إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً} ، ويقول أيضاً: {لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم} .

لأجل هذا -عباد الله- فإن الثوابت الشرعية؛ من توحيد الله، والإيمان به، والدعوة إليه، والحب والبغض فيه، قد يغيب أكثرها أو بعضها مع مرور الزمن، وغلبة الأهواء، وشيوع الهزل، حتى إنها لتحتاج إلى من يرد لها الحياة بعد ما اعتراها ما اعتراها من ذبول.

إذاً: لدينا كتاب الله لا تخلق جلدته ولا تفنى فروته، ولدينا نور نبوة ملهم السيرة، نقي السنن، وإذا كان الأمر كذلك فكيف تعمى النفس المؤمنة مع هذا الإشعاع؟ بل كيف يستوحش المرء في هذا العالم الموار، ومصدر الأمن والطمأنينة فوق ظهره محمول، شريطة ألا يغفل عن قوله سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] .

إنه رغم الدمار البالغ الذي تُصاب به المجتمعات حيناً بعد حين، والوكزات التي تتلقاها أمة الإسلام فجأة، ثم هي تُصرع أمامها إثر تقويض الرابطة الإسلامية الجامعة الحقة، وعلى الرغم من المكانة الملحوظة التي وفرها الإٍسلام للمجتمعات الإسلامية بأسرها من خلال تعاليمه المحكمة، وثوابته التي لا تتغير -بل يخضع لها كل عصر وليست تخضع هي لكل عصر- إنه رغم ذلك كله إلا أن ثمة خللاً ما، يؤكد أن تلك المجتمعات أحوج ما تكون إلى أن تلتمس لطف الله وعفوه، وترتقب رحمته وإحسانه، وتلزم اللجوء إليه والعياذ به، عاملة بما دعاها به المصطفى صلى الله عليه وسلم: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٦٤] .

فلا إله إلا الله! {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:٨٣] .