الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.
سبحانه! جعل في تعاقب الليل والنهار عبرةً لمن ادكر أو تذكَّر، يُداول الأيام بين الناس ليبلوهم أيهم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، دعا إلى الله على بصيرةٍ هو ومن اتبعه، فأكمل الله به الدين، وأتم به النعمة، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الأخيار، الأتقياء الأبرار؛ الذين استجابوا له، وأحيوا سنته، ومهدَّوا لمن بعدهم منهاجه وشرعته، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله جلَّ وعلا، اتقوه في السر والعلن، في الخلوة والجلوة، اعبدوا ربكم واسجدوا له واركعوا مع الراكعين، وافعلوا الخير، وجاهدوا في الله حق جهاده لعلكم تفلحون.
أيها الناس حجاج بيت الله الحرام! بعد ساعات معدودات من ساعات العمر يُهلُّ هلال ذي الحجة الوليد في ذلك التو يلوح ذلك الوليد في السماء، ليعلم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أن خالقهم -جلَّ شأنه- قد آذنهم بشهرٍ له في مجتمعهم تأثير، وفي نفوسهم تأديب، وفي مشاعرهم إيقاظٌ وتنبيه.
يلوح الهلال في السماء ليوقنوا أن فضل الله عليهم متواصل، وأن مواسم النفحات والغفران لا تزال متواليةً لمن وفقه الله لاغتنامها، إذ لا يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات والقربات؛ إن هو أحسن القصد، فيغدو ويروح في خمائلها، وإلا كان مُضيعاً يدهش من حاله، أو خاسراً يتعوذ بالله من مآله.
حيث عمي عن الهدف، وحاز عن الغاية، وخالف سيرة الناجحين من أولياء الله الصالحين، يقول الحسن البصري رحمه الله:[[ما ظننت عمر بن عبد العزيز خطا خطوة إلا وله فيها نية]] وقبل ذلك يقول سلمان الفارسي رضي الله عنه: [[إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي]] .