[سر الذكر في دفع الضر]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
فاتقوا الله معشر المسلمين، واعلموا -وفقكم الله- أن لسائل أن يسأل: ما بال ذكر الله سبحانه مع خفته على اللسان، وقلة التعب فيه، صار أنفع وأفضل من جملة من العبادات مع المشقات المتكررة فيها؟
ف
الجواب
هو أن الله سبحانه جعل لسائر العبادات مقداراً، وجعل لها أوقاتاً محدودة، ولم يجعل لذكر الله مقداراً ولا وقتاً، وأمر بالإكثار منه بغير مقدار، ولأن رءوس الذكر هي الباقيات الصالحات، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {خذوا جُنتكم، قلنا يا رسول الله! من عدو قد حضر؟ قال: لا، جُنتَّكم من النار قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات وهن الباقيات الصالحات} رواه الحاكم وصححه.
ثم ليعلم كل مسلم صادق أن المؤثر النافع، هو الذكر باللسان على الدوام مع حضور القلب، لأن اللسان ترجمان القلب؛ والقلب حافظة مستحفظة للخواطر والأسرار، ومن شأن الصدر أن ينشرح بما فيه من ذكر، ويلذ على اللسان، ولا يكتفي بمخاطبة نفسه به في خلواته حتى يفضي به بلسانه، متأولاً قول الله عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:٢٠٥] فأما الذكر باللسان والقلب لاهٍ فهو قليل الجدوى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اعلموا أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه} رواه الحاكم والترمذي وحسنه.
وكذا حضور القلب في لحظة بالذكر، والذهول عنه لحظات كثيرة، هو كذلك قليل الجدوى، لأن القلب لا يخلو من الالتفات إلى شهوات الدنيا، ومن المعلوم بداهة أن المتلبس لا يصل سريعاً.
ولذا فإن حضور القلب على الدوام أو في أكثر الأوقات هو المقدم على غيره من العبادات، بل به تشرف سائر العبادات، وهو غاية ثمرات العبادات العملية، ولذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من أن تنفض المجالس دون أن يذكر الله عز وجل فيها، بقوله: {ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة} رواه أبو داود والحاكم.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمقت مجالس الغافلين، وينهى عن كل تجمع خلا من ذكر الله، وأن المجالس التي ينسى فيها ذكر الله وتنفض عن لغط طويل حول مطالب العيش وشهوات الخلق؛ في تهويش وتشويش وهمز ولمز، هي مجالس نتنة، لا شيء فيها يستحق الخلود، إنما الذي يخلد ما اتصل بالله سبحانه وتعالى.
ولذا فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: {من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، إلا كفر الله له ما كان في مجلسه ذلك} رواه الترمذي وابن حبان.
هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وأفضل البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله في كتابه، فقال عز وجل من قائل عليم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.
اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت؛ أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة فيها لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.