إن الأمة المسلمة يوم يكون مالها أداة ترف ومصدر استعلاء وطغيان، ويوم يكون الأغنياء وذوو اليسار أحلاس شح وبخل، فالويل والخسران لأمة أورثها مالهُا هذه الحال.
الجمع بين الصيام والصدقة موجب من موجبات الجنة؛ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إن في الجنة غرفاً يُرى ظهورُها من بطونها، وبطونُها من ظهورها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيَّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى والناس نيام} رواه أحمد والترمذي.
إن من القسوة -عباد الله- أن يمنع الواجد المعونة، وأن يتقلب في رغد من العيش وسعة من الرزق، ومن أتت عليهم صروف الحياة في شدة من الضيق وألم من الإعسار، ومن هذه حاله فلا جرم أنه قاسي القلب خالٍ من الشفقة، وكأنما قُدَّ قلبُه من صخر صلب، فهو بعيد من رحمة الله:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:٥٦] .
إن المال غادٍ ورائح، ومقبل ومدبر، وما هو إلا وسيلة للإنفاق والبذل، وبلوغ الأَرَب الأخروي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى} رواه البخاري ومسلم.
فرحم الله عبداً كسب فتطهر، واقتصد فاعتدل، ورُزِق فأنفق، وذكر ربه، ولم ينس نصيبه من الدنيا، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، ويا خيبة من طغى عليه ماله، وأضاع دينه وكرامته، فضل وطغى أن رآه استغنى!! وكان من الذين قال الله فيهم:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً}[الجمعة:١١] .
إن الواجب على الأمة المسلمة ألا تعظم الدينار والدرهم لئلا تستعبدها المعاني المنحرفة في النظرة للمال والحياة، فيكنز الغني مالاً، ويكنز ذو المسغبة عداوة؛ وليعلم الجميع أن العزة في الإسلام بإنفاق المال لا بإمساكه، وفي بذل الحياة لا في الحرص عليها، وفي اعتبار الغني ما يعمل بماله، لا ما يجمع منه؛ وبهذا كله غلب أهل الإسلام الأمم، لأنهم قبل ذلك غلبوا النفوس والشهوات.
ألا إن النعم لا تدوم، وإن مع اليوم غداً، وإن بعد الحياة موتاً، وإن بعد الموت لحساباً:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}[النساء:٩] .