وسببٌ آخر من أسباب القلق يكمن في تصورٍ مقلوب للمال وحقيقته.
إذ فَهِمَ منه أقوامٌ أنه مصدر السعادة وزوال القلق، فحدثوا ولا حرج عن هيام البعض به من أثرياء مترفين أضعفوا به خلقهم ودينهم:{التجار فجار، إلا من بر وصدق} هكذا صح الخبر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فاستخفَّ بعضهم بقواعد الإيمان، فأكل بماله كما تأكل الأنعام، وشرب كما تشرب الهيم، معاملاتهم وتجاراتهم وعلائقهم بالناس إنما تقوم على أصولٍ من المعدة لا من الخلق، وعلى استشمام رائحة الاقتيات لا رائحة الإيمان وحسن السجايا، عارية نفوسهم من صفاء الروح والتراحم بين بني البشر، فكأنهم يشترون القلق بمالهم، ويبيعون الطمأنينة كما يُباع الحقير في أسواق النخاسين، وما علموا أن السعادة الحقة ليست في جمع المال فحسب، إذ كم من غني وجد، لكنه ما وجد إلا عكس ما كان قد وجد، ولعمر الله! إن التقي هو السعيد.
ويزداد الأمر إسعاداً حينما يكون المال بيد العبد المسلم على نحو ما قال النبي صلى الله عليه وسلم:{نعم المال الصالح للرجل الصالح} أين هذا مما يتردد كرَّات ومرات عبر الصحافة وأشباهها عن دراسات تُؤكد أن من الحقائق المسلمة أنه عندما تهبط قيمة الأسهم فيما يُسمى "البورصة" ترتفع نسبة السكر بين المضاربين؟ فأي علاجٍ -إذاً- أنجى من قول النبي صلى الله عليه وسلم:{إن هذا المال خضر حلوٌ، من أخذه بسخاوة نفسٍ بُورِك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفسٍ لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع} رواه أبو داود.