ومن هنا -عباد الله- كان لزاماً علينا أن ننظر إلى حقائق العبادات وآثارها، لا إلى صورها ورسومها؛ إذْ كم مِن مُجهِدٍ نفسَه كان حظه من صيامه الجوع والعطش، وكم من مواصل للعبادة فيه فكان حظه من ذلك التعب والسهر، وآكَد ما يدل على ذلك حينما يسائل الناس أنفسهم: كم مرة قرءوا القرآن في رمضان؟! وكم سمعوا فيه من حِكَم ومواعظ وعبر؟! ألم يسمعوا كيف فعل ربهم بعادٍ؟!:{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ}[الفجر:٧-٨] ألم يقرءوا صيحة عادٍ؟! وصاعقة ثمود؟! وخسف قوم لوط؟! ألم يقرءوا الحاقة، والزلزلة، والقارعة، وإذا الشمس كورت؟!
فسبحان الله! ما هذا الران الذي على القلوب؟! {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء:٨٢] أفَقُدَّت قلوبُنا بعد ذلك من حجر؟! أم خلقت من صخر صلب؟!
ألا فليت شعري! أين القلب الذي يخشع؟! والعين التي تدمع؟! فلِلَّه كم صار بعضها للغفلة مرتعاً! وللأُنس والقُربة خراباً بلقعاً! وحينئذٍ لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الكبير فينا يلتحق بالصفوة، بل قد فرطنا في كتاب ربنا بالخلوة والجلوة، وصار بيننا وبين الصفاء أبعد ما بين الصفا والمروة، فلا حول ولا قوة إلا بالله:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا * إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}[محمد:٢٤-٢٥] .
ألا فاعلموا يا رعاكم الله! أن من قارب الفتور والكسل بعُد عنه النصب والاجتهاد، ومن ادعى الترويح والتسلية وُكِل إلى نفسه، ومن وُكِل إلى نفسه فقد وُكِل إلى ضيعة.