ألا فليتق الله أولئك المفرطون المضيعون الواقعون في براثن الشرك بالله في ألوهيته أو ربوبيته، أو الملحدون في أسمائه وصفاته:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[فصلت:٤٠] .
ألا فاتق الله يا من ترجو قبةً، أو تتوسل بوثن!
أو أنت يا من تطوف بقبرٍ أو تتمسَّح بعتبة أو باب! أو أنت يا من تعلق تميمة أو ودعةً أو ناباً رجاء نفع أو دفع ضر، فإن الله جل وعلا هو النافع وهو يدفع ما بالإنسان من ضرٍ ومصاب {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[النحل:٥٣-٥٥] .
إن الطائع الموحد ليشعر من أعماق قلبه أن ما دون الله هباء، بل ويستحيل عنده عقلاً أن يغلب الله على أمره، أو أن يقطع شيء دونه إذ التعلق بأمر الله عجز، والتطلع إلى سواه ضلال وحمق {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}[هود:١٢٣] .
لقد قصر فئام من الناس مع التوحيد فصادموا المنقول، وخالفوا المعقول، فانحازوا إلى أصحاب القبور، وتضرعوا أمام أعتابهم، بل لقد كثر مروجوها والساعون إليها، بل لقد صور بعضها عبر إنشاد القصائد، أو المدائح الطافحة بالاستغاثات والنداءات؛ التي لا تصح إلا لفاطر الأرض والسماوات، لقد قصر جمع من الناس مع التوحيد، فافتن بعضهم بالتمائم والحروز، يُعلقها عليه وعلى عياله، بدعوى دفع الشر عنهم أو جلب الخير لهم، أو صرف العين وشبهها.
روى الإمام أحمد في مسنده:{أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذا؟! قال: من الواهنة، فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً} ، وفي المسند -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{من تعلَّق تميمة فلا أتمَّ الله له} ، وفي رواية:{من تعلق تميمة فقد أشرك} .
نعم.
أيها المسلمون! لقد قصَّر فئام من الناس مع التوحيد، فنازعوا الخالق جلَّ وعلا، فيما هو من خصائصه سبحانه، فادَّعوا علم ما لم يعملوا، وخاضوا في أمور الغيب التي لا يعلمها إلا هو، وذلك من خلال الشعوذة والكهانة، أو ما يسمى: مجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان، أو الخوض فيما يتعلق بمستقبل الأبراج وقراءتها، أو نحو ذلك من سيل الأوهام الجارف، والخزعبلات المقيتة {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الطور:٣٨]{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الطور:٤١-٤٣] .