للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الحلم ومكانة صاحبه]

الحلم -أيها المسلمون-: اسم يقع على إلزام النفس من الخروج عند الورود عليها ضد ما تحب إلى ما نُهي عنه، وهو في موطن الغضب سيادة على النفس، وضبط لها، وكبح لجماحها، كما أنه لباس العلم، فمن فقده فقد تعرَّى وبدت للناس سوءته، وهل يجيء الباطل بخير؟

ألا إن الغضب قرين الشر، وإن الحلم راحة القلوب وسعادة الجماعات.

إن التفاوت بين الناس بعيد الشقة مع أنهم من أبوين اثنين، فإن اختلافهم في أوضاعهم وخلالهم مثار امتحان بالغ الجدوى، ولذا قال جلَّ شأنه: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:٢٠] ففي الناس الحليم الأريب المتأني، الذي إذا استنفرته الشدائد أبقى على وقعها الأليم، محتفظاً برجاحة فكره؛ وسجاحة خلقه، فلا يحمى من قليل يسمعه فيوقعه في كثيرٍ يكرهه، ولا يفضح نفسه ليشفي غيضه، فإن جهل عليه لم ينفعه إلا حلمه، ويا للعظمة والعلو! إن فعل كفعل قيس بن عاصم! وقد أتوه برجل قد قتل ابنه، فجاءوا به مكتوفاً، فقال: زعرتم أخي أطلقوه، واحملوا إلى أم ولدي ديته فإنها ليست من قومنا.