للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع الألبسة وفوائدها]

الحمد لله الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر، نحمده على آلائه، كما نحمده على بلائه، ونستعينه على نفوسنا البُطاء عمَّا أمِرت به، السِّراع إلى ما نهيت عنه، ونستغفره مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، علمٌ غير قاصر، وكتابٌ غير مغادر، خلق الإنسان وبصَّره بما في الحياة من خير أو شر: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:٣] .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدَّره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله سبحانه، فإنها دار حصن عزيز، تمنع أهلها، وتحرز من لجأ إليها، وبها تُقطع حُمَة الخطايا، فهي النجاة غداً، والمنجاة أبداً بفضل الله.

أيها الناس! إن البشر بعامة محكومون بحدودٍ وأعلام، يتقاسمها في الأساس فطرة الله التي فطر الناس عليها، وشريعة من الأمر أُمِر الناس باتباعها على هدىً وبصيرة، وهم إبَّان ذلك قد يضعفُون أمام تلك الحدود والمعالم إلى درجة الخُذلان المنبثق من التهاون واللامبالاة، أو قد يشتدون مع منافع زهرة الحياة الدنيا إلى حد الطغيان: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:٦-٧] والمؤمن الكيِّس مطلوب منه التماسك والرباطة على حالَيه كلتَيهما، إذ أن ترامي الغرائز يمنة ويسرة يتقاذفها ريح الهوى في كل اتجاه، دون أن تخضع مذعنة لحدود الفطرة والشرع، هي لا بد منتهية بأصحابها إلى بلاءٍ عريض، فإن الباري -جلَّ وعلا- لم يخلق الغرائز لبني آدم لتكون محلاً للسطو أو الختل أو التلفظ بأعراض الآخرِين، ولا خلقها ليتعبد بعضَ الناس بقتلها والعبث بها دونما سياج وحماية يحكمان محالَّها.

المرء الإنسي في هذه الحياة تتبدى له عورتان اثنتان، يتجاذب الاهتمام بسترهما والحرص على مواراتهما: {فِطْرتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:٣٠] والتي يتم تنشيطها والإحسان بتمامها نداءات حية من شريعتنا الغراء.

ومن هذا المنطلق حرص الإنسان السوي على أن يواري عورتَيه وسَوءتَيه أشد المواراة، عورته الجسدية وعورته النفسية أو المعنوية.

وأصل البشرية أبَوان كريمان، ابتدأ الامتحان بالعورات بهما، وأين هذا الامتحان؟ إنه في جنة الخلد: {وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:١٢٠] ، {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءاتِهِمَا} [الأعراف:٢٠] .

لقد حرص الشيطان على أن يقضي ابتداءً على عنق الزجاجة ومكمن الحياء، وهو الستر: {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [طه:١٢١] يخصفان عليهما خجلاً من تعريهما، إذ لا يتعرى ويتكشف إلا من فقد فطرته!

ويا لله لقد نسي آدمُ فنسِيَت ذريتُه.