[المرأة في الإسلام]
في طوايا هذا الظلام وإبَّانه ينبعث فجر الإسلام، فتسمع في الدنيا لأول مرة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١] ، ويُسمع قوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨] ويُسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا إن كل شيء من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع} ويُسمع قوله صلى الله عليه وسلم: {استوصوا بالنساء خيراً} ويُسمع قوله صلوات الله وسلامه عليه: {لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم هو يضاجعها} .
وبذلك -أيها الإخوة- يضع الإسلام الأسس الكبرى لكيان المرأة الجديد، الذي ما لبث أن آتى ثماره في ظل المدرسة النبوية، وهي مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا المرأة إمام يُستفتى بأعظم المسائل، كـ عائشة رضي الله عنها.
أو فقيهة كـ أم الدرداء رضي الله تعالى عنها، حيث تقول: [[لقد طلبت العبادة في كل شيء، فما أحببت لنفسي شيئاً أشفى من مجالسة العلماء ومذاكرتهم]] .
أو أن تكون عالمة، كابنة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى لما أن دخل بها زوجها وكان من تلاميذ سعيد، فلما أن أصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج، فقالت له زوجتُه: "إلى أين؟ فقال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، فقالت له: اجلس أعلمك علم سعيد ".
أو كابنة الإمام مالك رحمه الله تعالى إمام دار الهجرة، حيث كانوا يقرءون عليه في الموطأ، فإن لَحَن القارئ في حرف أو زاد أو نقص تدق ابنته الباب، فيقول أبوها للقارئ: ارجع، فالغلط معك، فيرجع فيجد الغلط معه.
أو مثل كريمة بنت محمد بن حاتم المروزي كانت من راويات صحيح البخاري المعتبرة عند المحدثين.
بل -أيها الإخوة والأخوات- لقد أحسن الإسلام في المرأة بنتاً بعد أن كانت تسبى وتوأد، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه: {إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات} .
وقد قال واثلة بن الأسقع: [[إن من يُمن المرأة تبشيرها بالأنثى قبل الذكر؛ وذلك أن الله قال: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى:٤٩]] ] .
بل قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال: {من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو -وضم أصابعه- معاً} ، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه.
قالوا له: ماذا رزقتا فأصاخ ثُمَّةَ قال: بنتا
وأجل من ولد النساء أبو البنات فلم جزعتا
نالوا بفضل البنت ما كبتوا به الأعداء كبتا
وكما أحسن الإسلام إلى المرأة بنتاً، فقد أحسن إليها كذلك زوجة، وجعل الزواج لبني البشر نسباً وصهراً وسكناً ومودة ورحمة {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨] .
وقد قال عنها صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك} .
خير ما يتخذ الإنسان من دنياه كيما يستقيم دينه
قلب شكور ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينه
وختاماً: في هذه العُجالة: فإن الإسلام قد كرم المرأة المسلمة، أماً وقد كرمها بعد شبابها وزواجها وتعلمها، وقرن طاعتها بالأمر بعبادته سبحانه وتعالى والنهي عن الشرك به: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:٣٦] .
وخص الأم ببعض هذه الوصايا بالتذكير بزيادة حقها على حق الأب {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ