أيها الناس: إن خير ما ألقي في الضمائر يقينٌ بالله يرسخ في القلوب كالرواسي، وإيمان صادق بكفاية الله لعباده، يدفعهم إلى تقديم مرضاة ربهم على رضاء خلقه وعلى عبيده وعلى النقيض من ذلك! فئام من الناس ضَعُف فيهم اليقين بالله، فأرضوا الناس بسخط الله، وجاملوهم في معاصي الله، وتعلقوا بهم واشتغلوا عن ربهم رغبة منهم في نوال حطام الدنيا، أو خوفاً من سطوة ساط أو بغي باغ، فالحذر الحذر من مثل صنيع هؤلاء.
يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:[[إن الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه، فيلقى الرجل وله إليه حاجة، فيقول له: أنت كيت وكيت، يثني عليه لعله أن يقضي من حاجته شيئاً، فيسخط الله عليه، فيرجع وما معه من دينه شيء]] ، ويقول حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه:{بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نسأل الناس شيئاً} رواه مسلم، حتى أن الرجل من الصحابة ليسقط سوطه من على راحلته فينزل فيأخذه لا يسأل أحداً أن يناوله إياه.
عباد الله! في أعقاب الزمن تتنكس الفطر، وتدرس معالم الشريعة كما يدرس وشي الثوب إلا ما شاء الله، وإنه ما من زمان يأتي إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، وإنكم ستعرفون من الناس وتنكرون حتى يأتي على الناس زمن ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، حتى أصبح الكتاب والسنة في الناس وليس فيهم، ومعهم وليس معهم، فاجتمع أقوام على الفرقة وافترقوا عن الجماعة، كأنهم أئمة كتاب وليس الكتاب إمامهم.
ألا فاعلموا -عباد الله- أن من استنصح الله وفق، ومن اتخذ قوله دليلاً هدي للتي هي أقوم، وإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإن رفعة الذين يعلمون عظمته أن يتواضعوا له، وسلامة الذين يعلمون قدرته أن يستسلموا له، فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب، والبريء من ذي السقم، فالتمسوا الرشد -رعاكم الله- من عند أهله، فإنهم عيش العلم وموت الجهل، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:٢٤] .
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً.