للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المشككين في سنة النبي صلى الله عليه وسلم]

عباد الله: إن المشككين في سنة النبي صلى الله عليه وسلم والمحاربين لها، لو قاموا في حربهم على أسس علمية لوجب ألا يدرس التاريخ في بلد ما، إذ لأي شيء يقبل التاريخ على أنه علم مسلَّم به، وتهتم كل أمة به، ثم هي لا تقبل جملة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن طرق الإثبات في التاريخ أقل شأناً من طرق الإثبات في الحديث النبوي، ثم لماذا تدرس سير العظماء ومواقفهم، وتعرض للتأسي والإعجاب، ويحرم من ذلك الحق رسل الله، لا سيما محمد صلى الله عليه وسلم من خلال سنته؟!

إننا حينما نتطرق لمثل هذا عباد الله، فإنما نقوله لأجل أن نبين أنَّ للسنة رجالها الخبراء بها، وهم أئمة الدين من العلماء والفقهاء، النجوم الثواقب، ورواسي الأرض وأوتادها: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:٥٩] ، {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:٨٣] .

إنَّ ترك الرد إلى الرسول وإلى أولي الأمر -وهم العلماء- سبيل من سبل اتباع الشيطان، فحري إذاً ألا يقبل في هذا الميدان ما يرسله المتهورون من أحكام طائشة، تجعل التطويح بالسنة النبوية أمراً جائزاً، أو تجعل تكذيب حديث النبي صلى الله عليه وسلم والتلاعب به هوىً مطاعاً وكلأً مباحاً.

وما سبب قولنا هذا -عباد الله- إلا ما نراه في هذه الأزمنة، من ذهاب أهل العلم الذين تنقص الأرض بموتهم، مع فشو القلم، وكثرة الكذب، والقول على الله بلا علم، ونطق الرويبضة؛ وهو الرجل التافه الحقير الذي يتكلم في أمور العامة، وهو من العلم خواء وفؤاده هواء، حتى كثر المتعالمون، وصار الحديث في أحكام الدين مطلق العنان لدى البعض دون زمام ولا خطام، فخاض البعض في السنة وخاصموا، ولتوا وعجنوا، من خلال محادثات شفهية أو مطارحات صحفية، أو عبر كتب النشر المقروءة والقنوات المرئية، فبدءوا يتحدثون عن مسلمات في الدين، وثوابت لا تتغير، فشككوا في الربا، وهمشوا الولاء والبراء، فأعموه من حيث أرادوا تكحيله.

وتحدثوا عن المرأة وميراثها ونقصانها عن الرجل، وتحدثوا عن حجابها، وعزلتها عن الرجال، وقرارها في البيوت، فكان الذي طرح ليس من السنة في ورد ولا صدر، وما ذاك إلا لغياب مفهوم خطورة الفتوى، وتدخل الغير في غير فنه، وقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.

فالواجب: جعل تقرير الشريعة في العلاقات الفردية والدولية، وشئون الأسرة، وتداول المال العام والخاص، وأساليب الحكم والتحاكم وغير ذلك من شئون أهل الذكر، أما العمال والفلاحون والصحفيون والمتفيهقون فما لهم ولهذه الشئون؟!

ألا إن قلة البضاعة من العلم محنة، فإذا انضم إليها حب التطاول على النصوص وتلمس المتشابه، زادت المصيبة، وتفاقم الداء؛ فلا يزال الورم في نفوخ، فلا غرو إذاً ألا يصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا، وألا يثني الأصاغر عن مراد إذا جلس أكابرهم في الزوايا.