فنظّر الله الخليفة الراشد ورضي عنه ذا الكلمة الراشدة؛ الراسمة طريقة النجاح:[[حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله]] {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:١٨] .
إن ارتفاع النفس ونضوجها لا يتكون فجأة، ولا يولد قوياً ناضجاً دونما سبب، بل يتكون على مُكْثٍ، وينضج على مراحل، وإن ترويض النفس على الكمال والخير، وفطامها عن الضلال والشر يحتاج إلى طول رقابة، وكرَّات حساب.
وإن عمارة دار جديدة على أنقاض دار خربة لا يتم طفرة بارتجال واستعجال، فكيف ببناء النفس وإنشائها المنشأ السوي! وإذا كانت النفس الرديئة دائمة الإلحاح على صاحبها تحاول العوج بسلوكه بين الحين والحين؛ فلن يخفف شرها علاج مؤقت، وإنما تحتاج إلى عامل لا يقل قوة عنها، يعيد التوازن على عجل إذا اختل ألا وهو عامل المحاسبة.
إنه لا أشد حمقا، ولا أغرق غفلة؛ ممن يعلم أنه يحصى عليه مثاقيل الذر، وسيواجه بما عمله من خير أو شر، ويظل في سباته العميق لاهياً غير مستعتب لنفسه، ولا محاسب لها، يمسي على تقصير، ويصبح على تقصير، سوء يتلوه سوء، كذب وزور، غيبة ونميمة، حسد وتشفٍّ، دجل وفجور، فجور في السلوك، وفجور في التطاول بالسوء على من سوى نفسه وأهله، يقول أحد السلف رحمه الله: من حاسب نفسه قبل أن يُحاسب؛ خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومئابه، ومن لم يحاسب نفسه دامت خسارته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.