للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة أصحاب السبت]

عباد الله! يقول ربنا جل وعلا في سورة الأعراف: {وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:١٦٣-١٦٦] .

عباد الله: هذه الآيات إنما هي بث في المقام لما أجمل في قوله سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:٦٥] والمقرر عباد الله! أن من خصائص القرآن الكريم الإجمال في موضع، والبيان في موضع آخر، لأجل أن تشرئب النفوس إلى معرفة التأويل، وربط الآيات القرآنية بعضها ببعض، وليس ذلك إلا للقرآن خاصة: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:٢٣] .

أيها الناس: إن حاصل معنى آيات الأعراف هذه هو أن اليهود المعارضين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، زعموا أن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به، ولذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسألهم على جهة التوبيخ لهم عن هذه القرية، وهي على المشهور من أقوال المفسرين، قرية أيلة على شاطئ بحر القلزم بين مدين والطور، هذه القرية أهلها من اليهود، وكانوا يعتدون في يوم السبت، ويخالفون شرع الله حيث أنه نهاهم عن الصيد فيه، وكان الله سبحانه قد ابتلاهم في أمر الحيتان، بأن تغيب عنهم سائر الأيام، فإذا كان يوم السبت جاءتهم في الماء شرعاً، مقبلة إليهم مصطفة، فإذا كان ليلة الأحد غابت برمتها، ففتنهم ذلك وأضر بهم، فتطرقوا إلى المعصية بأن حفروا حفراً يخرج إليهم ماء البحر على أخدود، فإذا جاءت الحيتان يوم السبت فكانت في الحفرة، ألقوا فيها حجارة فمنعوا الحيتان من الخروج إلى البحر، فإذا كان الأحد أخذوها حتى كثر صيد الحوت ومشي به في الأسواق، وأعلن الفسقة بصيده، فنهضت فرقة منهم، ونهت عن ذلك، وجاهرت بالنهي واعتزلت، وفرقة أخرى لم تنه ولم تعص، بل قالوا للناهين {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} [الأعراف:١٦٤] فلما لم يستجب العاصون؛ أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فنص سبحانه على نجاة الناهين، وسكت عن الساكتين، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا.

روى ابن جرير بسنده عن عكرمة قال: [[دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما والمصحف في حجره وهو يبكي فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداءك؟ فقال: هؤلاء الورقات، وإذا هو في سورة الأعراف، فقال: ويلك تعرف القرية التي كانت حاضرة البحر، فقلت: تلك أيلة، فقال ابن عباس: لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت، نخاف أن نكون مثلهم، نرى فلا ننكر فقلت: أما تسمع الله يقول: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ} [الأعراف:١٦٦] فسري عنه فكساني حلة]] .