الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون! واعلموا أنه يجب علينا أن نعمل بتعاليم ديننا الحنيف، وأن نأخذ بإرشادات نبينا صلى الله عليه وسلم، كما يجب علينا أن نقصر أنفسنا عن الغضب، ولا نتسرع فيما يعود علينا بالحسرة والندامة -ولات ساعة مندم- والمرء المسلم مطالبٌ بكتمان غيظه، وإطفاء غضبه بما استطاع من تحلم وتصبر، واستعاذة بالله من النفس والهوى والشيطان.
واسمعوا -رعاكم الله- وصية من وصايا المصطفى صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فيما رواه البخاري في صحيحه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم:{أوصني! قال: لا تغضب، فردد مراراً! قال: لا تغضب}
والمراد من الحديث هو: ألاَّ يعمل المرء بمقتضى الغضب إذا حصل له، بل يُجاهد نفسه على ترك تنفيذه؛ فإن الغضب إذا ملك ابن آدم كان هو الآمر الناهي له، ولهذا المعنى قال الله عز وجل:{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ}[الأعراف:١٥٤] فإذا ما جاهد المرء نفسه اندفع عنه شر الغضب، وذهب عنه عاجلاً فكأنه حينئذ لم يغضب، وإلى مثل هذا وقعت الإشارة في القرآن بقول الله عز وجل {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:٣٧] ، وقوله:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران:١٣٤]
ويختلف الغضب في دنيا الناس إذ يتراوح صعوداً وهبوطاً باختلاف الأحوال والظروف، ولكنه من خلال الإطار الشرعي العام لا يخرج عن ثلاث مراتب: