إن مما لا شك فيه أن هناك ضعفاً في البشر لا يملكون أن يتخلصوا منه، وليس مطلوباً منهم أن يتجاوزوا حدود بشريتهم، غير أن المطلوب أن يستمسكوا بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله في كل حين، وتجعل من التدين في جميع جوانب الحياة عندهم -ثقافة وأسرة وإعلاماً- من الثوابت التي لا تتغير، ولا تُخدع بها النفس في موسم ما دون غيره، كما أنها تمنعهم في الوقت نفسه -بإذن الله- من التساقط والتهالك، وتحرسهم من الفترة بعد الشِّرّة مهما قلَّت، ما دامت هي على الدوام، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{يا أيها الناس! خذوا من الأعمال ما تُطيقون، فإن الله لا يملَّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قلَّ} رواه البخاري ومسلم.
لأجل هذا -أيها المسلمون- فإن هناك عبادات هي من الثوابت التي لا تتغير بعد رمضان، كالصلاة، والزكاة، والصدقة، وكذا الدعاء لنفسك ولمن أوصاك به ولإخوانك في الملة والدين من المعوِزين والمستضعفين والمجاهدين، ناهيكم عن ثابت التوبة المطلوبة في كل حين وآن، والتي أمرنا الله بها في قوله:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:٣١] وكان يتأولها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة} .
إذا عرفت -أيها المرء- هذه الأمور كلها، فما عليك إلا أن تلزم، ولقد أحسن من انتهى إلى ما سمع أو علم، ولقد ذقتَ طعم العبادة في رمضان ولذة القرب من الله، فلا تُعكِّرنَّ هذا الصفو بالكدر، والهناء بالشقاء، والقرب بالبعد.
إن البقاء على الطاعة في كل حين، أو التهاون عنها كرات ومرات ليعودان بالمرء -بإذن الله- إلى القلب، وهو أكثر الجوارح تقلباً في الأحوال، حتى قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم:{إنما سُمِّي القلبُ مِن تقلُّبه، إنما مَثَل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً على بطن} رواه أحمد، ولأجل هذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم:{يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك} رواه الإ مام أحمد.