بَيْد أن القلم في هذا الزمن قد فشا فشواً كبيراً، واتسع نطاقه حتى بلغ القاصي والداني، في صورة هي في الحقيقة مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم:{إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشوا التجارة؛ حتى تعين المرأةُ زوجَها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم} رواه أحمد، ومما لا شك فيه أن الشيء إذا فشا وذاع ذيوعاً واسعاً كثر مُدَّعوه، وقلَّ آخذوه بحقه، فكثر الخطأ، وعمَّ الزلل.
وإن من ذلك عُرِي بعض الأقلام عن الأدب، فلم تُرعَ حرمةً، ولم تحسن رقماً، ولم تزن عاطفة في نقاش؛ فثارت حفائظ، وبُعِثَت أضغان، وكُشِفَت أستار، واشتد لغطٌ رقماً بقلم في قرطاس ملموس بالأيدي! ناهيكم عن الكذب والافتراء والتصريح بالعورات والمنكرات، والجرأة على الله ورسوله، مع ما يصاحب ذلك من قلم مُتعثر، ومقالات لها في كل واد شعبة يعثرون من خلالها عثرات متكررة، دون التفات إلى أسباب تلك العثرات، حتى يزداد خطرها، ويستفحل شرها، ومن ثمَّ ينوء أصحابها بأحمال ندم لا يُقِلُّها ظهر، وتنكيس رءوس يُمْسون بها بعيدي الرفع، ودموع حزن على قبح تقصير ما لمددها انقطاع، وأقسى الكل أن سيقال لمثل أولئك: بماذا! ومن أجل ماذا! ولأي شيء! يا من خططت ببنانك ما يوبق انتماءك للحق وصدق جنانك، ثم توزن بالعدل والميزانُ غالب.
فيا لِلَّه العجب! كيف وُهبت لهؤلاء عقول، وأسيلت أقلامٌ، فما قدروا الله حق قدره بها، ولم يستحضروا ثمرة العقل الموهوب، والرقم المكتوب، الذي باينوا به البهائم؛ حتى تشمخوا بفعلهم وغفلوا عمن وهب، وهو الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.
ولعمر الله! أي شيء لهم في الحبر والقلم ليس ملكاً لهم، ويا لَلَّه كيف لا تُوَجَّه الموضوعية في الطرح على شِرْعةِ ومنهاجِ مَن بعث لصاحب القلم السيَّال في ظلام طبعه نورَ القبس؟ {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:٤٠] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
قد قلت ما قلت إن صواباً فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.