الجُلُّ من السياح نهارهم في دندنة، وليلهم جَهْوَرِي، ألذَّ ما عند بعضهم سَمَر العُشَّاق، أو شغل المشغولين بالفراغ، عبادتهم نِدْر، وغوايتهم غَمْر، يأكلون الأرطال، ويشربون الأسطال، ويسهرون الليل وإن طال، حتى يصير الصبح ليلاً والليل صبحاً، فيختل الناموس الذي خلق الليل والنهار من أجله، فلا يُرخي الليل سدوله إلا وقد سحب اللهو ذيوله، وتمشت البلادة في عظام المرء، حتى تترقَّى إلى هامه، وتَسلب العقل، فيُخلع ثوب الوقار، ويُلاطف بعبث مشين، في سَفْسَف أو باطل من الأمر، ومن ثَمَّ تُعد تلك السجايا من السياحة الجاذبة.
وكم يُقال حينها: هل من ساهر في مثل هذا من نُجْب؟! أو هم ليله من صبح؟ هيهات ثم هيهات!! فتلك ليالٍ قُصَّ أجنحتها، وضَلَّ أصحابها، وكيف يُرجى تقطيع ليالٍ وافية الذوائب، ممتدة الأطناب بين المشارق والمغارب! و {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً}[يونس:٦٧] .
ولا بِدْعَ حينئذٍ إذا عُكِسَت آمال هؤلاء وخابت أعمالهم، فلم يرجعوا من سياحتهم إلا بنفاذ المال في الدنيا، وسوء المغبة في الأخرى.