كما يجب علينا ألا نغفل عما لا يقل أهمية عما مضى، بل إنه في هذه العصور يُعدَّ هاجساً أمنياً لكل مجتمع، ألا وهو: الأمن الفكري الأمن الفكري الذي يحمي عقول المجتمعات ويحفظها من الوقوع في الفوضى، وللعق من الشهوات بنهم، أو الولوغ في أُتون الانسلاخ الأخلاقي الممزق للحياء الفطري والشرعي.
الأمن الفكري -يا عباد الله- ينبغي أن يُتوَّج بحفظ عنصرين عظيمين، ألا وهما: عنصر الفكر التعليمي، وعنصر الأمن الإعلامي، إذ يجب على الأمة -من خلال هذين العنصرين- ألا تقع في مزالق الانحدار والتغريب والتي هي بدورها تطمس هوية المسلم، وتفقده توازنه الأمني، والاعتزاز بتمسكه بدينه، إذ إن الأمن على العقول لا يقل أهمية عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للبيوت لصوصاً ومختلسين، وللأموال كذلك، فإن للعقول لصوصاً ومختلسين، بل إن لصوص العقول أشد خطراً وأنكى جرحاً من سائر اللصوص، فحماية التعليم بين المسلمين من أن يتسلل لواذاً عن هويته، وحماية التعليم في إيجاد الآلية الفعالة في توفير سُبل العلم النافع الداعي إلى العمل الصالح، والبعد عن التبعية المقيتة، أو التقليل من شأن العلوم النافعة، والتي لها مساس أساسي في حياة الأمم من الحيثية الشرعية الدينية التي يعرف بها المرء ربه، وواجبه المفروض عليه، أو التهوين من شأن علوم الدين، أو استثقالها على النفوس؛ لما من شأن ذلك كله أن تضعف المجتمعات بسببه، أو تندرس معالم الأمن الفكري فيه، إذ بان عصر التحكم المعرفي، والاتصالات العلمية والثقافية التي غلبت على أدوار الأسر والبيئات التي تنشد الصلاح العام.