[علاج العين والسحر في الشرع]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المسلمين واعلموا أنه لا بأس على المرء في أن يتحرز من العين، بستر محاسن من يخاف عليه العين بما يقيه منها، أو أن يعوذه منها بالتعويذ الشرعي، فلقد قال سبحانه وتعالى عن يعقوب عليه السلام: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف:٦٧] .
قال ابن عباس وغيره: [[إنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة]] فإن العين حقٌ تستنزل الفارس عن فرسه، وهذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضائه، فإن الله إذا أراد شيئاً لا يخالف ولا يمانع، ولذا قال يعقوب عليه السلام: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف:٦٧] ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: {أُعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام} رواه البخاري وأصحاب السنن.
وبعد عباد الله! فإن العين داءٌ عُضال، ونارٌ آكلة، لم يهمل الشارع الحكيم جانبها، بل بيَّنها ووضحها، وأبدى للناس علاجها.
وإن من أعظم ما يزيل العين والسحر بأمر الله: الرقية الشرعية من الكتاب والسنة، يقول أبو محمد ابن حزم: " جرَّبنا من كان يُرقي الدمل الحاد القوي الظهور في أول ظهوره، فيبدأ من يومه ذلك بالذبول ويتم يبسه في اليوم الثالث، جرَّبنا من ذلك مالا نُحصيه، وكانت امرأة ترقي أحد دملين قد دفع في إنسان واحد ولا ترقي الثاني، فيبس الذي رقت، ويتم ظهور التي لم ترق، وشاهدنا من كان يرقي الورم المعروف بالخنازير، فيندمل ما يفتح منها ويذبل ما لم ينفتح ويبرأ ".
والرقية عباد الله! تكون بآيات القرآن؛ كالفاتحة، وآية الكرسي، والإخلاص، والمعوذتين وغيرها من آيات القرآن الذي أنزله الله هدىً وشفاء.
وكذا بالأدعية النبوية الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ كتعويذه للحسن والحسين، وكرقية جبريل له بقوله: {باسم الله أُرقيك، من كل شيء يُؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسدٍ، الله يشفيك، باسم الله أرقيك} رواه مسلم.
ومن أدوية العين الناجعة: ما ذكرت عائشة رضي الله عنها بقولها: [[كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين]] رواه أبو داود.
كما أن من العلاج عباد الله! عسل النحل بشتَّى أنواعه؛ لثبوت ذلك في الكتاب والسنة، وكذا ماء زمزم فهو: {فهو لما شرب له، وهو طعام طعمٍ وشفاء سقم} كما صح بذلك الخبر عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية، وأكرم البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم لا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لتسقي به العباد، ولتحيي به البلاد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.