[فرضية حج بيت الله]
الحمد لله الذي لا يطلب منحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون.
أحمده سبحانه، استتماماً لنعمته، واستسلاماً لعزته، واستعصاماً من معصيته.
وأستعينه فاقة إلى كفايته، إنه لا يضل من هداه، ولا يعز من عاداه، ولا يفتقر من كفاه، له الحمد فرض علينا حج بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه رجالاً وركباناً كل عام، ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته، فاختار من خلقه سماعاً أجابوا إليه دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا موقف أنبيائه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته، جعله سبحانه وتعالى للإسلام علماً، وللقاصدين حرماً، فرض حجه، وأوجب حقه، وكتب علينا وفادته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نتمسك بها أبداً ما أبقانا، وندخرها لأهاويل ما يلقانا، فإنها عزيمة الإيمان وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرحمن، ومدحرة الشيطان.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع؛ إزاحة للشبهات، واحتجاجاً بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد! الله أكبر كبيراً! والحمد لله كثيراً.
الله أكبر عدد ما ذكره الحاجون وبكوا! والله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا! الله أكبر عدد ما زهرت النجوم، وتلاحمت الغيوم! الله أكبر عدد ما أمطرت السماء، وعدد ما غسق واقب أو لاح ضياء! الله أكبر عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته!
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
أما بعد:-
فيا أيها المسلمون: ويا حجاج بيت الله الحرام! أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه، فاتقوه في المنشط والمكره، والغضب والرضا، والخلوة والجلوة، واعلموا أنه قد اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان، عيد الأضحى، وهو يوم الحج الأكبر، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة، فأكثروا من الشكر لله جل وعلا، وبادروا بالأعمال قبل انقطاعها واعلموا أن الله غفور رحيم.
أيها المسلمون! إن الناس ما زالوا منذ أذن فيهم إبراهيم عليه السلام بالحج يفدون إلى بيت الله الحرام، في كل عام من أصقاع الأرض كلها، وأرجاء المعمورة جميعها، مختلفة ألوانهم، متمايزة ألسنتهم، متباينة بلدانهم، يفدون إليه وأفئدتهم ترف إلى رؤية البيت العتيق، والطواف به، ويستوي في ذلك الغني والفقير، والقادر والمعدم، كلهم يتقاطرون إليه، تلبية لدعوة الله، التي أَذَّن بها إبراهيم عليه السلام: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:٢٧] .
إن الحجاج إذ يستبدلون بزيهم الوطني، زي الحج الموحد، ويصبحون جميعاً بمظهر واحد، لا يتميز شرّقيهم عن غرّبيهم، ولا عربيّهم عن أعجميّهم، كلهم لبسوا لباساً واحداً وتوجهوا إلى رب واحد، بدعاء واحد، وتلبية واحدة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
تراهم يلبون وقد نسوا كل الهتافات الوطنية، وخلفوا وراءهم كل الشعارات القومية، ونكسوا كل الرايات العصبية والعرقية، ورفعوا راية واحدة هي راية: لا إله إلا الله محمد رسول الله، يطوفون حول بيت واحد، ويؤدون نسكاً واحداً.
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد!
إن الله عز وجل يوم شرع الحج للناس أراد بما أراد من الحكم أن يكونوا أمة واحدة، متعاونة متناصرة، متآلفة متكاتفة، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
إن الحج سلامٌ حقيقي برمته، سلام غير مزيف، يدخل فيه المسلم مدة هذا النسك فيتعلم من خلاله احترام حق الحياة لكل مسلم حي، مهما كانت درجة حياته، فلا يتعدي على أحد، ولا يظلم أحداً، ولا يبغي على أحد.