السبب الأول: تلكم العادات الشنيعة التي تخرب بيوتات البنات والخطاب، وليس فيها نفع لأحد ألبتة، وإنما هو التفاخر والتكاثر وفيضان كئوس ممتلئة في التبذير والترف، أو في الطمع والجشع، حينما لا يزوج الولي موليته إلا بيعاً من خلال عرضها بالمال الوافر، أو بإكراهها على الزواج من غير الكفء إذا كان مليئاً يفري المال فرياً؛ مما يسبب تراجع بعض الفتيات والإحساس بالغمط وبطر الحق من قبل الآباء الجشعين؛ فتكثر العنوسة وبالتالي تصبح الفتاة عرضة للفتن ما ظهر منها وما بطن، فيقعون فيما حذر الله منه بقوله:{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[النور:٣٣] .
جاء في الصحيح أن جارية قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، وأنا له كارهة.
فقال لها: إن شئت أمضيت أمر أبيك وإن شئت فسختيه.
فقالت: أمضي أمر أبي ولكن فعلت ذلك ليعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء} تعني: ليس لهم إكراه بناتهم بالتزويج ممن يكرهن.
إنه عندما يصل المجتمع المسلم إلى درجة الرشد السوي فإنه لا يستطيع أن ينظر بعين الرضا إلى ممارسات في التنافس غير البريء في غلاء المهور وعش الآفات، ومن أبا إلا ركوب رأسه فلا جرم أن الله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:{إني تزوجت امرأة من الأنصار.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواق -أي: مائة وستين درهماً- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك الحديث} رواه مسلم في صحيحه.