أيها المسلمون! النكاح عبادةٌ يستكمل بها المسلم نصف دينه، ويلقى بها ربه على أحسن حال من الطهر والعفاف، وفي كثرة النسل من المصالح الخاصة والعامة ما يساعد الأمة على تكثير سواد أفرادها، فقد قال صلى الله عليه وسلم:{تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة} وقديماً قيل: إنما العزة للكاثرين، ولا تزال هذه حقيقة قائمةً لم يطرأ عليها ما ينقضها.
أيها الناس! إن في البلاد المسلمة اليوم مشكلةً من أعظم المشاكل، وأعمقها أثراً في حياة الأمة المسلمة؛ إنها مشكلة الزواج، والتي تتلخص في كلمات هي أن في المسلمين آلافاً مؤلفة من البنات في سن الزواج، لا يجدن الخاطب، وآلافاً مؤلفة من الشباب لا يجدون البنات، أو لا يريدون الزواج، وهذه المشكلة الظاهرة إن لم يتنبه إليها المسلمون، ويفتحوا لها طرق العلاج بالحلال؛ فإنه لن يجد الشباب للوصول إلى حاجاتهم الغريزية إلا سلوك طريق الحرام، في نحو ما ذكرت عائشة رضي الله عنها، أو يزيد؛ لأنه من النتائج الحتمية الظهور والتي لا ينكرها عاقلٌ مسلمٌ أن الفساد الخلقي سببٌ في قلة الزواج، وقلة الزواج سببٌ في الفساد الخلقي، وهذا ما يسمى بالدور كما قال القائل:
لولا مشيب ما جفا لولا جفاه لم أشب
إن الوقدة من ضرم الشهوة في أعصاب الشاب المسلم هي داء الشباب في كل حين، ولطالما أرقت الكثيرين صغاراً وكباراً، ولطالما نفت عن عيون الكثيرين لذيذ العيش، ولطالما صرفت التلميذ عن دروسه، والعامل عن عمله، والتاجر عن تجارته، وكل هذا طبعيٌ معقولٌ، ولكن الذي لا يكون أبداً طبعياً، ولا معقولاً أن يحس الفتى، أو الفتاة بهذا كله في سن الشباب، ثم يضطرهما المجتمع بأسلوبه على مختلف المحاور إلى البقاء على العزوبة، والصرف عن الزواج من حيث يشعر، أو لا يشعر، وهذه هي المشكلة، وهي مكمن الداء، ولربما كانت بعض المجتمعات تقول للشاب بلسان حالها: اختر إحدى ثلاث كلها شر، ولكن إياك إياك أن تفكر في الرابعة والتي هي وحدها الخير وهي الزواج، وهذه الثلاث:
الاختيار الأول: إما الانطواء على النفس، وعلى أوهام الشهوة، والتفكير فيها، وتغذيتها بالروايات الرخيصة، وأحلام اليقظة ورؤى المنام؛ حتى تنتهي به الحال إلى الهوس، أو انهيار أعصابه، ولسان حاله يقول للمجتمع:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
الاختيار الثاني: وإما اللجوء إلى طرقٍ سريةٍ خفيةٍ؛ لإبراز غلة الشهوة، والتي حرمها جمهور أهل العلم عملاً بقوله تعالى:{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون:٧] .
الاختيار الثالث: وإما الاغتراف من حمأة اللذة المحرمة وسلوك سبل الضلال؛ لتبذل فيها الصحة والشباب في لذة عارضة ومتعة عابرة، ثم هو لا يشبع، بل كلما واصل واحدة؛ زاده الوصال هماً كشارب الماء المالح لا يزداد شرباً إلا ازداد عطشاً.
وهذا كله نتيجة ما نحسه اليوم من جمود في حركة الزواج؛ حتى أصبحت العزوبة الممقوتة أصلاً لدى عديد من الشباب ليس بالقليل، والتي أتبعها بعد ذلك اضطراب الأقيسة الاجتماعية في طريقة اختيار القرينة عندما يرغب الشباب بالحياة الزوجية، والزواج ينبغي ألا يكون قضاء وطر، وإدراك شهوةٍ فقط، ولكن ينبغي أن يكون امتداداً لأمة تحمل رسالة نبيها صلى الله عليه وسلم، وبناءً لأجيال تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور:٢١] .