اعلم -أيها المسلم- أنك في ميدان سباقٍ، والأقوات تنتهك، وإياك إياك! والخلود إلى الكسل، فما فات ما فات إلا بالكسل، وما نال من نال إلا بالجد والعزم، وثمرة الأمرين أنَّ تعبَ المحصل للفضائل راحته في المعنى، وراحة المقصر في طلبها تعبٌ وشين إن كان ثم فهم لديك، يا رعاك الله!
والدنيا كلها إنما تُراد لتُعبر لا لتُعمر، وما يناله أهل النقص بسبب فضولها والانشغال بها عما هو خير منها؛ فإنه يُؤذي قلوب معاشريها حتى تنحط، ومن ثَمَّ يأسف أمثال هؤلاء على فقد ما وجوده أصلح لهم، في حين إن تأسفهم ربما يكون شبه عقوبة عاجلة على تفريطهم.
يقول ابن الجوزي -رحمه الله- متحدثاً عن زمنه:"لقد اشتد الغلاء بـ بغداد، فكان كلما جاء الشعير زاد السعر، وتدافع الناس على اشتراء الطعام، فاغتبط من يستعد كل سنة بزرع ما يقوته، وفرح من بادر في أول الناس إلى اشتراء الطعام قبل أن يُضاعف ثمنه، وأخرج الفقراء ما في بيوتهم فرموه في سوق الهوان، وبان ذل نفوسٍ كانت عزيزةً، فقلت: يا نفس! خذي من هذه الحال بشارة، ليغبطن من له عمل صالح وقت الحاجة إليه، وليفرحن من له جواب عند إقبال المسألة".
أ.
هـ
وروى الإمام مالك في الموطأ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في بعض دعائه: {واقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط} ، والله تعالى يقول:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}[الكهف:٢٨] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.