[الفرق بين الصابر والجازع]
إن المؤمن الواثق لا يفقد صفاء العقيدة ونور الإيمان إن هو فقد من صافيات الدنيا ما فقد، أما الإنسان الجزوع فإن له من سوء الطبع ما ينفره من الصبر، ويضيق عليه مسالك الفرج إذا نزلت به نازلة، أو حلت به كارثة أو ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وتعجل في الخروج متعلقاً بما لا يضره ولا ينفعه.
إن ضعف اليقين عند هؤلاء وأمثالهم يصدهم عن الحق، ويضلهم عن الجادة؛ فيخضعون ويذلون لغير رب الأرباب ومسبب الأسباب، يتملقون العبيد، ويتقلبون في أنواع هذه الملذات، ويكيلون من المديح والثناء ما يعلمون من أنفسهم أنهم فيه كذبةً أفاكون، بل قد يرقى بهم تملقهم المقيت أن يطعنوا في الآخرين، ويقعوا في الأبرياء من المسلمين.
إن أي مخلوق مهما بلغ من عز أو منزلة فلن يستطيع قطع رزق، أو رد مقدور، أو انتقاصاً من أجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم:٤٠] .
في حديث عن أبي سعيد مرفوعاً: {إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله} .
إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره، وإن الله بحكمته جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، إن من فقد الثقة بربه اضطربت نفسه، وساء ظنه، وكثرة همومه، وضاقت عليه المسالك، وعجز عن تحمل الشدائد، فلا ينظر إلا إلى مستقبل أسود، ولا يترقب إلا الأمل المظلم.
أيها الإخوة في الله: هذه هي حال الدنيا، وذلك هو مسلك الفريقين فعلامَ الطمع والهلع؟ ولماذا الضجر والجزع؟
أيها المسلم: لا تتعلق فيما لا يمكن الوصول إليه، ولا تحتقر من أظهر الله فضلك عليه، واستيقن أن الله هو العالم بشئون خلقه، يعز من يشاء ويذل من يشاء، يخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، هو أغنى وأقنى، وهو أضحك وأبكى، وهو أمات وأحيا.
إن المؤمن لا تبطره نعمة، ولا تفزعه شدة.
إن أمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن.
في هذا صح الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فاتقوا الله يرحمكم الله، واصبروا واثبتوا وأملوا، واكلفوا من العمل ما تطيقون، ولا تطغينكم الصحة والثراء، والعز والرخاء، ولا تضعفنكم الأحداث والشدائد، ففرج الله آت ورحمة الله قريب من المحسنين.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأحسن اللهم عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:٢-٣] .
نفعني الله بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.