للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نص حديث السبعة]

الحمد لله الكريم الوهاب، خالق البشر من تراب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه أدعو وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وأناب، صلوات الله وسلامه وعليه على آله وصحبه أولي النهى والألباب.

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، اتقوا ربكم حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي فإن أقدامكم على النار لا تقوى.

أيها الناس! في الليلة الظلماء يفتقد البدر، وفي لهيب الشمس وسموم الحر يستطلب الظل وتستجلب النفحات، وما أروع العدل حين يطغى الجور! والإنصاف حين يعلو الغمط! وما أعجب الشاب حينما ينتصر على الصبوة المتفتقة! ويا لعظم الحظ ووطأة التوفيق لمن أوقف قلبه فبات معلقاً في كل مسجد! وما أهنأ الرجلين إذا يتحابان في الله فلا يجتمعان إلا عليه، ولا يفترقان إلا عليه.

ويا حبذا العفة والخشية حينما تظهر المغريات وتضمحل العقبات، وما أقوى صدقة السر في إطفاء غضب الرب! وما أعذب الدموع الرقراقة في الخلوة حينما تسيل على خد الأسيف العامي!

أيها المسلمون! إن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم هي المنبع الثر للهدى والحق والنور، وهي المعين الذي لا ينضب، والحق الذي لا يعطب، وإن الوقوف الدقيق عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبعث من مشكاة النبوة؛ ليحمل النفس المؤمنة على أن تعرف أسراره وتستضيء بأنواره، فلا ينفك يشرح للنفس ويهديها بهديه فتؤمن بالنبي المصطفى والرسول المجتبى صلوات الله وسلامه عليه، وكلما ذكر كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم فكأنما قيل من فمه للتو، كلام صريح لا فلسفة فيه، يغلب الأثرة والشهوة والطمع.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه} .

عباد الله! ما أحوجنا جميعاً إلى أن نستظل في ظل الرحمن في يوم عصيب يعظم فيه الخطب! ويشتد فيه الكرب، يوم أن تدنو الشمس من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، رحماك يا رب، عفوك يا ألله.