[دعاة على أبواب جهنم من بني جلدتنا]
ولِمُسْتَفْهِمٍ أن يقول: كيف يكون بعض المسلمين دعاة على أبواب جهنم؟!
فالجواب هو: أنهم كذلك ببثهم الفساد والانحراف، وإشاعة الفاحشة وما يثير الغرائز الكامنة في مثل صور فاتنة، أو مقالات تخدش الحياء وتبرز القَحَة من خلال الصحافة مثلاً، أو في مجال التعليم بزرع المبادئ الهدامة بين الطلاب من خلال كوادر غير أمينة، أو من خلال منظري التطوير العلمي في سائر البقاع فيما يقدمونه من الحد والتقليص لما يقوي صبغة الله في نفوس الطلاب: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة:١٣٨] أو التقليل من شأن العلوم الدينية في مقابل الحرص الدءوب على تكثيف ما عداها من علوم مادية أو رياضية لا يحتاج إلى معظمها الذكي ولا يستفيد منها البليد، أو في مجال أجهزة الرأي المنتشرة مُقَمَّرةً كانت أو مُشَفَّرة؛ من التفنن في نشر الانحراف ما بين حب وهوى وفنون ومجون، أو هدم لأساسات شرعية قررها الإسلام، كمحاربة تعدد الزوجات وتشويه صورته، أو التحضيض على أن يلاقي الخطيب مخطوبته في خلوة محرمة، أو التعويد على إلفة الاختلاط بين الجنسين، ومن ثم هذا سارقٌ يعلمون الناس كيف يتخلص من عقوبة السرقة، وهذه زوجة خائنة يصورون فكاكها من غيرة زوجها بالتضليل عليه، وتلك زانية تشجع على الزنا بإشاعة طرق الإجهاض.
كل هذه الصور -عباد الله- إنما هي مشاهد متكررة تُبَث على مدار اليوم والليلة ولا يخلو منها قطر أو لا يكاد.
فكم من مشهد يبث على الملايين من المسلمين في كافة الأقطار، يشاهدونه بمرة واحدة؛ فإذا استقر في وعيهم وطافت به الخواطر والأفكار سلبهم القرار والوقار، فمثلوه ملايين المرات بملايين الطرق في ملايين الحوادث.
فلا تعجبوا حينئذٍ عباد الله إذا لم تجدوا:
إلا واضعاً كفَّ حائرٍ على ذقنٍِ أو قارعاً سنَّ نادمِ
ومن ثم تستمرئها النفوس الضعيفة رويداً رويداً إلى أن تلغ من حَمَئِها وهي لا تشعر، فإذا ألفتها النفس لم تكد تتحول عنها إلا في صعوبة بالغة بعد لُؤىً وشدائد؛ ولكنها في الوقت نفسه تفقد خصائصها التي تميزها، ثم تموع وتذوبُ وبعد ذلك:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
* * *
وإذا لم يغبِّر حائطٌ في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبارُ
حتى تقع في أتون الفتن، فتحترق بلا لهب.
والأمة المسلمة يجب أن تكون متبوعة لا تابعة، وقائدة لا منقادة، فالترك للتبعية هو النجاة منها، ومستقبل المسلمين يجب أن يُصْنَع في بلادهم وعلى أرضهم وداخل سياج الدين والشريعة، وعليهم جميعاً أن يكفوا عن أخلاق التسول بكل صنوفه؛ سياسة أو اقتصاداً أو أخلاقاً ومقدرات، ويجب ألا نغتر بما نراه من زخرف الحياة الدنيا وزينتها في أمة قد تقطعت روابطها وانفصمت عراها: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:١٣١] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان.
وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.