للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة خاطئة للإنسان عند الغرب]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠-٧١] .

أما بعد:

فيا أيها الناس: في خضم هذه العصور المتأخرة برزت وبصورة جلية آلياتٌ مستجدة، وإحداثياتٌ خدمت معظم بقاع الأرض في تغطية حاجياتها وتحسينياتها حتى أصبحت طوفاناً مادياً جارفا، منحدراً من فوهة بركان فجرته الحضارة المادية الجافة، والتي اجتالت على حسابها كثير من المعايير الفاضلة، كما أن حمأة التنافس على اكتساب مستجدات هذه الحياة لا ينبغي أن تكون حاجزاً مانعاً عن بقاء المبادئ الإسلامية الشريفة والتي رعاها الإسلام حق رعايتها، بل وطالب بها ودعا إليها في كل حين وآن، مهما اتسع الناس في ماديتهم أو ضاقوا.

ما أشد مضض ما تعانيه الأمة المسلمة اليوم، إن كثيراً من موروثاتها الروحية ليذهب فرطاً، وإن الغفلة قد بلغت من الناس مبلغ من يظن أنه مسرمد في هذه الحياة، وكأن رحى الأيام لن تدور عليه يوماً ما، مما أبرز الصدر الوحر واللسان المذق، والذي على إثره تندرس جملة من معاني الأخلاق الشريفة كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما زهدٌ ولا رحمةٌ ولا صلةٌ ولا تواضع ولا لين، بل لقد أصبحت مفاهيم بعض السذج من الناس تجاه التعامل مع الآخرين ومعاشرتهم: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، وإن لم تجهل يجهل عليك، وإن لم تتغدَّ بزيد تعشى بك.

ثم زعموا أن الفلسفة الأخلاقية العظمى عندهم هي في انطلاق النظرة للآخرين من زاوية: كم تملك وما مركزك، ويرون أن في ذلك غنية وضماناً للسلام والرخاء، وعوضاً عن التربية والتهذيب الروحي، وأن ما عداها فهي سجايا وخصال أكلت عليها السنون وشربت، هكذا يزعم جفاة الأخلاق الحميدة الذين أثَّرت فيهم المعاني النفسية التي تعلو بعرضٍ من الدنيا وتهبط بعرض، وأن أي خلل في الحياة الاعتيادية فإن المال يرممها، والحسب والجاه يرأب الصدع فيها، هكذا زعموا!

أما إنه لو أدرك المسلم أن أول حق عليه للمسلمين: هو أن يحمل في نفسه معنى الناس لا معنى ذاته، لعلم أن من فاق الناس بنفسه الكبيرة دون تميز كانت عظمته حقيقة في أن يفوق نفسه الكبيرة متخطياً ما فيها من طمعٍ وجشع وكبرياء، وبمثل هذا يصبح الناس أحراراً متى حكمتهم معاني الدعة والتواضع والتوادِّ والتعاطف تحت ظل الإسلام الوارف.

وأما المركز والمال والجاه فإنما هي عوارض سرعان ما تزول بعدما كانت رسماً ظاهراً لا يمس بواطن القلوب، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:١٧] .

كتب وهب بن منبه إلى مكحول: أما بعد: فإنك قد أصبت بظاهرك عند الناس شرفاً ومنزلة، فاطلب بباطن عملك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تنازع الأخرى.

بمثل هذا كله يتصل ما بين العظيم والسوقة، وما بين الغني والفقير اتصال التواضع في كل شيء، بعيداً عن معاني الدينار والدرهم وحِماهما، حتى يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.