يجب علينا ألا نقصر جانب المفهوم الأمني على الفرد وحده، ولا على معنىً واحد من معانيه فحسب؛ كأن يقصر على ناحية حماية المجتمع من الجرائم لا غير، أو أن يقصر مفهوم حمايته على جناب الشرط والدوريات الأمنية دون سواها، بل إن شمولية مفهوم الأمن تنطلق بادي الرأي في عقيدة المجتمع وارتباطه الوثيق بربه، والبعد عن الشرك وشغله، والذي هو الظلم بعينه كما قال الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:٨٢] ناهيكم عن المجالات الأمنية المتكاثرة في المجتمعات؛ كالأمن الغذائي، والأمن الصحي الوقائي، والأمن الاقتصادي، والأمن الفكري، والأمن الإعلامي، والأمن الأدبي، فعلى الأمة برمتها ألا تقع في مزالق الانحدار والتغريب تجاه أي معنىً من المعاني الأمنية الآنفة، وألا تقترف خياناتٍ أمنيةً في أي لونٍ من ألوانه، فالأمن على مثل هذا لا يقل أهمية عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للبيوت لصوصاً ومختلسين وللأموال كذلك فإن للعقول لصوصاً ومختلسين وللأفئدة لصوصاً ومختلسين، بل إن لصوص العقول والقلوب أشد خطراً وأدهى وأمر.
إن إصباح المرء المسلم آمناً في سربه، لهو من أوائل بشائر يومه وغده، وما صحة البدن وقوت اليوم إلا مرحلة تالية لأمنه في نفسه ومجتمعه، إذ كيف يصح بدنٌ خائف؟ وكيف يكتسب من لا يأمن على نفسه وبيته؟