[ضرورة ضبط الترويح بالضوابط الشرعية]
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واعلموا أن شريعة الإسلام شريعةٌ غراء، جاءت بالتكامل والتوازن والتوسط، ففي حين أن فيها إعطاء النفس حقها من الترويح والتسلية؛ فإن فيها كذلك ما يدل على أن منه النافع ومنه دون ذلك، فقد صح عند النسائي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {كل لهوٍ باطل غير تأديب الرجل فرسه، وملاعبته لأهله، ورميه لسهمه} قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: "والباطل من الأعمال هنا ما ليس فيه منفعة ولم يكن محرماً، فهذا يُرخص فيه للنفوس التي لا تصبر على ما ينفع، وهذا الحق في القدر الذي يحتاج إليه في الأوقات التي تقتضي ذلك؛ كالأعياد، والأعراس، وقدوم الغائب ونحو ذلك".
ويقول ابن العربي -رحمه الله- عن هذا الحديث: "ليس مراده بقوله باطل أي أنه حرام، وإنما يريد به أنه عارٍ من الثواب، وأنه للدنيا محض لا تعلق له بالآخرة والمباح منه باقي".
عباد الله: هذا في اللهو المباح وأما اللهو المحرم، أو اللهو المباح الذي قد يفضي إلى محرم، فاستمعوا -يا رعاكم الله- إلى كلام البخاري رحمه الله في صحيحه حيث يقول: (باب: كل لهوٍ باطلٌ إذا أشغله عن طاعة الله) يعلق الحافظ ابن حجر على هذا فيقول: "أي: كمن التهى بشيء من الأشياء مطلقاً، سواءً كان مأذوناً في فعله أو منهياً عنه؛ كمن اشتغل بصلاة نافلة، أو بتلاوة، أو بذكر، أو تفكر في معاني القرآن مثلاً، حتى خرج وقت الصلاة المفروضة عمداً، فإنه يدخل تحت هذا الضابط، وإذا كان هذا في الأشياء المرغب فيها المطلوب فعلها فكيف حال ما دونها".
فالحاصل -أيها المسلمون- أن الترويح والفرح ينبغي أن يخضع للضوابط الشرعية، وألا يبغي بعضها على حدود الله، والله يقول: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة:٢٢٩] ألا وإن من أراد أن يفرح ويلهو فليكن فرح الأقوياء الأتقياء، وهو في نفس الوقت لا يزيغ ولا يبغي بل يتقي الأهازيج والضجيج التي تقلق الذاكر، وتكسر قلب الشاكر.
ولله ما أحسن كلام أبي حامد الغزالي الذي يصف فيه الباغين في اللغو العابثين فيه الوالهين به، دون رصدٍ للحق أو رعاية للحدود، فقال في إحيائه عن مرحهم: "إنه من مشوشات القلب إلا في حق، أقوياء فقد استخفوا عقولهم وأديانهم من حيث لم يكن قصدهم إلا الرياء والسمعة وانتشار الصيت، فلم يكن لهم قصد نافع، ولا تأديب نافذ؛ فلبسوا المرقعات، واتخذوا المتنزهات؛ فيظنون بأنفسهم خيراً، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويعتقدون أن كل سوداء تمرة، فما أغزر حماقة من لا يميز بين الشحم والورم، فإن الله تعالى يُبغض الشباب الفارغ، ولم يحملهم على ذلك إلا الشباب والفراغ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:١١] .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.