للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف العقول يوجب تقديم الشرع]

ألا إن دلائل العقل قلما تتفق، بل عقل كل واحدٍ يري صاحبه غير ما يري الآخر، وهذا بينٌ والحمد لله، وقديماً قيل: لو سكت الذي لا يعلم لما كان هناك خلاف، ومن لم ير الهلال فعليه أن يسلم لأناسٍ رأوه بأبصارهم، كيف يحتج العقل على خالقٍ من بعض مخلوقاته هذا العقل؟!

وأما ما يسطره بعض الكتبة، وما يدندنون حوله، من ذكر أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وردت في تعظيم العقل وإكباره، فإنه خلاف الحق، فقد قال ابن القيم رحمه الله: أحاديث العقل كلها كذب.

ونقل عن بعض السلف قوله: لا يصح في العقل حديث.

فصار فعل أمثال هؤلاء فيما يطرحونه من تحكيم العقل والاستقلال به من القيود كما يقول ابن تيمية رحمه الله: هو أخبث من لحم خنزيرٍ في صينية من ذهب.

فالواجب على كل مسلم -عباد الله- أن يتقي ربه جل وعلا، وأن يعلم أن شريعة الله ليست عرضة للعقول لتخاصم بها، فقد حد الله للعقول حدوداً لا ينبغي تجاوزها ولا الافتيات على الله بها، والله يقول: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:١٤٠] ويقول: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة:١٣٨] وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحج:٨]

قال بعض أهل العلم: وهذا دليلٌ ظاهر في أن الذي نراه معارضاً للوحي ويقدم العقل عليه، ليس من الذين أوتوا العلم في شيء، كيف لا والله سبحانه وتعالى يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:٤٣] .

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، فانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله بريئان منه، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.