إننا -أيها المسلمون- لفي حاجة داعية إلى تحصيل الباقيات الصالحات، إن في المسلمين من الضعف والخواء، والضيق والوحشة، وكثرة الهذيان واشتغال اللسان بما لا طائل من ورائه، ما يحتاجون معه إلى استشعار الباقيات الصالحات، ألا إن أحدنا ليمدن عينه إلى زهرة الحياة الدنيا، بل إن أحدنا ليرى فيه من الحرص على مسكنه، وعلى ما يزينه به من غراس جميل، وخضرة خلابة، هي من سعادة الناظر في الحياة الدنيا، ما يؤكد عليه أن يفقه الباقيات الصالحات.
تمعن أيها المرء! بكم تشتري الفسائل أو أطايب الشجر، وكم يستهويك غرسه أو جنيه، لله كم تزاود أو تماكس في بيعه وشرائه، ألا تشرئب إلى من يدلك على ما هو خير من ذلك كله، بل وأرخص منه، بل ولربما عدَّك العقلاء من الناس مفرطاً مفلساً إن لم تتعجل بشرائه أو غراسه؛ لأن الوقت محدود، والفرصة سانحة، والعذر ليس ذا بال.
إن شئت -أيها المرء- فاسمع الآتي: يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أغرس غراساً فقال: يا أبا هريرة! ما الذي تغرس؟ قلت: غراساً لي، قال: ألا أدلك على غراس خير لك من هذا؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة} رواه ابن ماجة.
وروى مسلم والترمذي وغيرهما {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد اقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، -أي: مستوية- وأن غراسها، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر} .