للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التزام الخادم بالأحكام الشرعية]

أما ثالث الأمور أيها الناس! فهو أن يتقي المرء ربه، وأن يعلم أن أمر الخدم محسوم في شريعة الله، وأن هناك حدود ينبغي ألا يتجاوزها المرء المسلم، ومن ذلك: الحجاب الشرعي للخادمة، فلا يجوز أن تتكشف لدخول المنزل، ولا أن تختلط برجاله أو أن تخلو بأحدٍ منهم، وإن التباهي بالخادمات النساء، وكشفهن للعيان في الأسواق والأفراح والمستشفيات من باب التباهي، وحب الظهور؛ لهو أمر جد خطير وفيه من الإثم والوزر الشيء الكثير، فضلاً عن كون ذلك مدعاة لفتنة الناس وجذب أبصارهم، ومن ثَمَّ الولوغ في حمأة هذا الموقف العظيم، ووقوعهم في النظر إلى ما حرَّم الله.

وكذا الرجل الخادم: لا يجوز أن يخلو بالمرأة لا في منزلها، ولا في سيارتها، ولا أن تكشف وجهها له، أضيفوا إلى ذلك أمر الخدم بالتزام شرع الله إن كانوا مسلمين، أو دعوتهم إلى الإسلام إن كانوا غير ذلك، مع التأكيد بحزم على وجود الاستغناء عن الكفار لا سيما في جزيرة العرب؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجهم منها، وكذا الظهور بمظهر القدوة الصالحة أمام الخدم، وذلك بالكرم والعطف والصدق والصفح إن الله يُحب المحسنين.

ثم الحذر الحذر! من التساهل مع من لا يخاف الله منهم أو التقليل من خطورة أمرهم، ويزيد الأمر تعقيداً حينما يكون بعضهم من مرضى الأفئدة، وممن يكون مضنة الانتقام، وحب الإفساد، من مثيري اللغط وهدم البيوت، واستخدام الشعوذة والسحر، وقلب ظهر المجن على البيت وأربابه، ونشر أسرار البيوت وأحوالها إلى خدم البيوت الأخرى، وكم هم صرعى هذا التقصير؟ وكم هم ضحايا هذا الإهمال؟ إذ بعض الخدم إذا شبع فسق، وإذا جاع سرق، ولا جرم! فقد قال مجاهد رحمه الله: [[إذا كثرت الخدم كثرت الشياطين]] .

ووقائع المجتمعات وأحاديث المجالس تغص بها الحلوق، وتطفح بها الأذان، ألا وإن هذا ليُذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن كان الشأم في شيء ففي الفرس والمرأة والخادم والمبسم} قال الخطابي وجماعة من أهل العلم: هذا الحديث هو في معنى الاستثناء من الطيرة: أي أن الطيرة منهي عنها في قوله صلى الله عليه وسلم: {لا عدوى ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح} رواه مسلم، إلا أن يكون للمرء دار يسكنها وهو كارهٌ لها، أو زوجة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع ببيعٍ أو نحوه.

قال أهل العلم: وشؤم الخادم سوء خلقه، وقلة تعهده لما فُوِضَ إليه.

وأقول حفظكم الله: هذا الحديث وأقوال أهل العلم؛ إنما هو فيما مضى من زمن الصدق والدين، فما ظنك في هذا الزمن! سبحان الله ما أبعد الليلة عن البارحة، وما أشبه اليوم بما هو على العكس من الأمر.

بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكمة، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله وأتوب إليه، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.