أيها المسلمون: إن المتأمل في هزائم المسلمين المتلاحقة، وضعفهم الحثيث، واستكانتهم المستحوذة عليهم أمام أعدائهم؛ يجد أنها لم تكن بدعاً من الأمر، ولا هي نتائج بلا مقدمات، ولم تكن قط قد قفزت هكذا طفرة دونما سبب، وإنما هي ثمرة خلل وفتوق في ميدان الأمة الإسلامية، وتقصير ملحوظ تجاه خالقها ورسولها صلى الله عليه وسلم ودينها، وهذه الثغرات والفتوق هي التي أذكاها أعداء الإسلام بما يبثونه عبر سنين عديدة من المكر والخديعة، واللت والعجن منذ زمن على الإسلام والمسلمين.
وبسبب نقمتها هذه اختبأت وراء صور الاستعمار المتنوعة، تناولت من خلاله ما تشاء من الأساليب، فإذا احتاج الأمر إلى المكر لانت، وإذا احتاج الأمر إلى القسوة بطشت، وهي في لينها تبثُّ السمَّ في العسل، وفي شدتها تحترف الهمجية والجبروت، وهي في كلتا الحالتين لا تنام عن غايتها أبداً، ولو نامت بإحدى مقلتيها فإنها بالأخرى يقضانة ساهرة وهذا سر أسفنا المتصاعد يا عباد الله.
أيها المسلمون: إن الكثيرين منا ليتساءلون إثر كل بلية تحل بدار الإسلام ما السبب؟ وكيف؟ ولم؟ ومم؟ وعم؟ كل صور الاستفهام تتناثر صيحاتها في مسامعنا حيناً بعد آخر.
ولكن هل نجعل هذا التساؤل جديداً على أسماعنا؟ أم أن في أفئدتنا وما أعطانا الله من صلة بكتابه العزيز، ما يذكر بسؤال مماثل للرعيل الأول في أزمة هي من أشد الأزمات التي حلت بهم، ألا وهي هزيمتهم في معركة أحد، يندبون حالهم، ومن ثم يتساءلون فيقول الله عنهم:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا}[آل عمران:١٦٥] فيجيبهم الله بخمس كلمات لم ينسب ولا في كلمة واحدة سبب الهزيمة إلى جيش ولا إلى عدة، ولا إلى تحرف في قتال، وإنما قال لهم بصريح العبارة:{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}[آل عمران:١٦٥] .
يقول الله لهم ذلك؛ ليبين لهم ولمن بعدهم بوضوح أن خواتيم الصراعات والمدافعات بين الأمم على كافة الأصعدة لا يمكن أن تقع خبط عشواء، وإنما هي وفق مقدمات أثمرت النتيجة بعد استكمال أسبابها:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى:٣٠] .