الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من ركع لله وسجد، وأفضل من دعا إلى طريق الحق والرشد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى من سار على طريقهم واتبع هداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن هذه الدنيا دار ممرً وأن الآخرة هي دار القرار، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه}[الزلزلة:٧-٨] .
أيها الناس: إنَّ لبني آدم ولعاً بالغاً وشغفاً ثائراً فيما يتعلق بالأمور الغيبية، الماضي منها واللاحق، وإنكار هذه الظاهرة ضربٌ من ضروب تجاهل الواقع والنأي عنه، غير أن تراوح هذه الظاهرة صعوداً وهبوطاً يعد مرهوناً بمدى قرب الناس من مشكاة النبوة والشرعة الحقة التي أحكمت هذا الباب، وأخبر الله من خلالها بقوله:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}[الجن:٢٦-٢٧] .
ولا غرو حينئذ إذا وجدنا هذه العصور المتأخرة مظنةً للخلط واللغط بالحديث عن الغيبيات، وتوقان النفوس الضعيفة إلى مكاشفتها، ما بين مؤمن بالخرافة، وراضٍ بالكهانة، وآخرين سادرين بالسجع والتخمين، يقذفون بالغيب في كل حين، مع أن آيات الله تتلى عليهم بكرةً وعشياً، وفيها قوله تعالى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}[النمل:٦٥] وتُقرأ عليهم سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفيها قوله: {خمسٌ لا يعلمهن إلا الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} رواه الترمذي.
إذاً لا مجال للحديث عن المغيبات إلا من خلال ما ذكره لنا ربنا جل وعلا، أو ما أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فما هو إلا مجرد تكهناتٍ إن لم تكن محور أساطيرٍ وأوهام، وخليط كلامٍ يقذف به مسترقو السمع من الجن.
والإسلام في حقيقته دين يزيل الخرافة من الفكر، والرذيلة من القلب، والشرود من المسيرة، فالإيمان بالغيب ليس إيماناً بالأوهام ولا هو إيذاناً لأنواع الفوضى.