فأولهن (سبحان الله) : والتي معناها: التنزيه والإعلاء والتقديس للباري جل وعلا بكل ما لا يليق بقدره، فيسبح الله عن كل شرك، أو عبودية لغيره، ويسبح الله عن أن يوصف بغير ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال.
وتسبيح الله -أيها المسلمون- ليس مقتصراً على جانب التنزيه فحسب، وإنما هو مرتبط كذلك ارتباطاً وثيقاً بجانب الخشية من الله، كأن المرء يراه، وإنه إن لم يكن يراه فإن ربه يراه، فلا ينبغي أن يصدر من العبد ما لا يرضى به ربه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وأن المرء المسلم إذا نأى بنفسه عن أن يقع في زلة أو هفوة، بسبب تسبيحه لله، فهو ممن أدى حق الخشية والتنزيه والإعلاء.
ألا تسمعون قول البارئ جلَّ وعلا يصف أحاديث الإفك المفترى، على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}[النور:١٦] .
إن المرء المسلم ليربأ بنفسه عن أن يكون مقوالاً مهذاراً لكل ما يرد إليه لا تحكمه أناة، ولا يردعه خشية، ولا يكفكفه عقل، ويكفيه كذباً أن يحدث بكل ما سمع، وإن الذين يرمون الأبرياء بما ليس فيهم تحقيقاً لشهوات دنيئة ومآرب غير نقية، ما قدروا الله حق قدره، وما نزهوه وسبحوه كما يليق بجلاله.
وقولوا مثل ذلك -عباد الله- في الظن بالله جلَّ وعلا، إذ على المرء أن يعلم علم اليقين، أن الله خلق كل شيء، فقدره تقديراً، وأن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، وشقية أو سعيدة، وألا يبالي المرء أعطاه الناس أو منعوه، فإنما هم رسل الله في الرزق، يعطون من قدر الله أن يعطوه، ويمنعون من قدر الله أن يمنعوه، وما على المرء المسلم إلا أن يتوكل على الله كما تتوكل الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً، فتوكل على الحي الذي لا يموت، وسبح بحمده.
وليس بخافٍ عليكم -أيها المسلمون- ما حكاه الله عن أصحاب الجنة في سورة نون {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[القلم:٢٣-٢٩] .