عباد الله: في طوايا الظلام تدرس الأخلاق كما يدرس وجه الثوب، بل هما ما كان في الصالحين المخلصين، لقد طغى طوفان المادة الجافة، فأغرق جسوم الرحمة إلا من ملص منها، ولقد بدت نواعي الحياة عند البعض: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، وإن لم تجهل يُجهل عليك، وإن لم تتغد بزيد تعشى بك، بل لقد صور العالم لدى البعض أنه دنياً فسيحة، يحدها من الشرق الرغيف، ومن الغرب الدينار، ومن الشمال الجاه، ومن الجنوب الشيطان.
لقد رجعت بعض النفوس منداة الجسم بعرق القسوة والغلظة، وإذا تندت الجسوم وجب نزع المبلول، وإلا فهي العلة ناقلة النفوس، ما أشده مضضاً ما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم! إن أمرها ليذهب فرطاً، وإن الغفلة قد بلغت من الناس مبلغ من يظن أنه حي في الحياة؛ فلا تجد إلا قلباً أيراً، وصدراً وحراً، ولسانا ولقاً ينصنص؛ إلا من عصم ربي، وقليل ماهم!