[نقاط على طريق الثبات]
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها الناس: إن لكل نظام من النظم على أرض الواقع فلسفته وفكره، وحله وعقده، وله حلوله الخاصة التي يواجه بها مشكلاته بقطع النظر عن صحتها من سقمها، أو زينها من شينها، بيد أنه ليس من المنطق ولا من المعقول -فضلاً عن أنه ليس من الإنصاف جدلاً- أن تقحم الشريعة الغراء، متهمة في مشكلات وتبعات لم تنشأها أمة الإسلام، وليست من بابتها، وإنما فجرتها نظم وممارسات أجنبية عن أمة الإسلام، ثم تريد هي من أمة الإسلام أن تفكر بعقلها، لا بالعقل الإسلامي، وأن تحس بقلبها لا بالقلب الإسلامي.
ولكي نعمق الولاء للإسلام والبراء فيه، ونردم الوهدة التي تفصل الكثيرين عن ماضيهم ومجدهم الزاهر، والوقوف أمام كل نابتة تنبت في هذا الطريق الخضم المائج، ولئلا تقدم الأمة تنازلات فكرية أو عقيدية أو تعليمية غير مبررة ولا مفهومة، بل هي من نسج الحاقد، واضحة النشوز في مسار الصحوة الفكري، ورفض التبعية والتغريب، لأجل أن ندرك ذلك كله فلا بد لنا أن نضع الحقائق التالية نصب أعيننا:
أولها: أن عقيدتنا أساسها التوحيد لله، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، وهيهات هيهات أن يكون أي تجسيد عقدي سوى ذلك أرجح منه وأولى بالقبول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ * وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:٧١-٧٢] .
وثانيها: أنه لا يمكن إدراك تضامن إسلامي ناجح بين أفراد ومجتمعات بعضها يبغض بعضاً، أو ينفر من بعض، أو يكره الإسلام، أو يرفض بعض تعاليمه في ساحات كثيرة أو قليلة.
وثالثها: أنه ينبغي لأي وحدة منشودة أو تمازج مقترح في المصالح الشرعية أو في درء المفاسد أن يتفق في الوسيلة أو في الغاية وفق الحق والشريعة، وإن أي وحدة صف أو أي هدف منشود فإنه يعتبر وهماً مع هذا الخروج على المقررات الإسلامية والثوابت الشرعية.
ورابعها: أن التراجع والتخاذل بين المسلمين إنما يجيء بالدرجة الأولى من داخل النفس قبل أن يجيء من ضغوط من سواهم، ولسنا أول أمة ابتليت وفرض الله عليها أن تثبت على دينها وتكافح لأجل أن تحيا عزيزة شماء.
وخامسها: أن تكون ثقافتنا المذاعة والمنشورة قائمة على التقريب بيننا لا على المباعدة، وعلى الرتق لا الفتق، وعلى الاعتزاز لا الابتزاز، وعلى دعم القيم الدينية ورد الشبهات التي تثار حول أمة الإسلام ومناهجها، وعلى أن تكون دعوتها لإحياء وحدة المسلمين في أن تميت صيحات الجاهلية، وأن تبرز العنوان الإسلامي وحده أساساً للنهضة البناءة والفكر السوي: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:٢٨] .
{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} [القلم:٣٥-٣٨] .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم! اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام!
اللهم إذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنا إليك غير مفرطين ولا مفتونين ياذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق يا ذا الجلال والإكرام! اللهم لتحيي به البلاد، وتسقي به العباد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد، برحمتك يا أرحم الراحمين!
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.