عباد الله: لقد جاء في أجور صيام النوافل وفضلها ما يعلم المقصر من خلاله أنه كان خلف تفريط صار به من القعدة المفرطين، ولو رمق المفرط بمقلتيه إلى نصوص السنة النبوية في فضل صيام النوافل لعلم سر التحريض والتحضيض في تحصيلها، وإدراك ما أمكن من الفرص التي يتأكد استغلالها.
فقد جاء في الحديث الصحيح:{من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر} أي: كصيام سنة كاملة بعدد أيامها.
وفي الحديث الصحيح الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام البيض:{إنها كصيام الدهر} أي: كصيام سنة كاملة.
فلو نظرنا -عباد الله- إلى محصلة مجموع الصيامين في السنة لوجدناهما يبلغان، اثنين وأربعين يوماً، فتكون النتيجة أن من صامها كاملةً كان كمن صام سبع مائة وعشرين يوماً فيما سواها، أي: أكثر من سبعة عشر ضعفاً، فلا إله إلا الله والله أكبر، كم نحن مفرطون!
عباد الله! ما مضى ذكره إنما هو جزء من كل، ونقطة من محيط، والفرص الثمينة ما لفواتها من عوض، وإن انتهازها لدليل على قوة الإرادة النابعة عن عزم اليقين، فمن علم خيراً فليبادر هواه لئلا يغلبه، فلعله يظفر بما مضي الوقت فيه هو الغنم، وعلى الضد يكون الغرم.
ألا وإن من فرح بالبطالة جبن عن العمل، ومهما علم الإنسان من الأجور والفضائل وكانت رغباته صالحة، فإنه لن يستفيد إلا إذا انتهز كل فرصة سانحةٍ له.
ثم إن الأعمال الصالحة بعامة لا تأخذ من الناس وقتاً طويلاً، ما لم يشرع الناس لأنفسهم ما لم يأذن به الله، فيشقوا على أنفسهم ويرهقوها عسراً.