فالبِدار البِدار قبل مفاجئة الأجل! فلو أن أحداً يجد إلى البقاء نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء دون أن يُقضى عليه بالموت لكان ذلك لسليمان بن داوُد عليه السلام، الذي سخر الله له مُلك الجن والإنس و {الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}[ص:٣٦-٣٨] هذا مع نبوته وعظيم زلفته، غير أنه لما استوفى طُعمته واستكمل مدته؛ رماه قوس الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، وورثها قوم آخرون.
وإن لكم في القرون السالفة لعبرة، وإلا فأين العمالقةُ وأبناءُ العمالقة؟!
فيا مؤخراً توبته بمطل التسويف؛ لأي يوم أجَّلتَ توبتك وأخَّرتَ أوبتك؟!
لقد كنتَ تقول: إذا صمتُ تبتُ، وإذا دخل رمضان أنبتُ، فهذه أيام رمضان عناقيد تناقصت، لقد كنت في كل يوم تضع قاعدة الإنابة لنفسك، ولكن على شفا جرف هار.
ويحك أيها المقصر! فلا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن يعقوب عن البَين، أو بعَبرة داوُد ومناجاة يونس لربه في ظلمات ثلاث:{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧] أو بصبر يوسف عن الهوى، فإن لم تطق ذلك فبذل إخوته يوم أن قالوا:{إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}[يوسف:٩٧] .