للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرح من آيات الله في نفس الإنسان]

الحمد لله على تقديره، وحسن ما صرف من أموره، نحمده سبحانه بحسن صنعه، شكراً على إعطائه ومنعه، يصير الرزق للعبد وإن لم يشكره، ويستر الجهل على من يظهره، خَوَّف من يغفل من عقابه، وأطمع العامل في ثوابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خير من يدعى لدى الشدائد ومن له الذكر مع المحامد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، قضى بالحق وبه عدل، ربّى فصقل ووعد ففعل، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة نبيك محمد وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله سبحانه فاتقوه وراقبوه وأخلصوا له في السر والعلن، وتزودوا بطاعته فإن خير الزاد التقوى.

أيها الناس: يقول الله جل وعلا في محكم التنزيل: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:٢٠-٢١] ويقول جل شأنه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:٥٣] ألا فاعلموا عباد الله أن الآيات العظام التي أودعها الله جل وعلا أنفس بني آدم لهي كثيرة حقاً، يعز على اللبيب حصرها ويعيى المتحدث سردها، ولو كلف المرء نفسه مرة في أن يستخلص بعضاً مما يثير الإعجاب في هذا التكوين، لوجد أن من الملفت حقاً ما يكمل في نفسه التي بين جنبيه من الأضداد المزدوجة، والعكوسات المتقابلة، والتي تكيف نفسها بقدر من الله وحكمة، بالتعامل مع الأحداث والمواقف، ولوجد المرء نفسه بين خلايا من الشعور اللا إرادية التي فطر الله الناس على أصله وقاعدته ويبدو ذلك بوضوح في مثل الضحك والبكاء، والقوة والضعف، والرغبة والرهبة، والذلة والعزة، والخوف والرجاء، والحب والفرح، والغضب والرضا، كل ذلك عباد الله يجتمع في النفس الواحدة في غير ذهول ولا جنون، وإنما هي خلال جبلية أودعها الله النفس البشرية {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:٢١] .