للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإرهاب مصطلح يرمى به المتدينون ويحارب به الدين]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ورضي عنهم أجمعين.

أما بعد:

فلعل المسلمين في هذا الزمن هم أكثر الناس آلاماً، ولعل أرضهم وديارهم وأموالهم هي التي يستنسر فيها البغاة، وتستنوق الجمال، وتستنمر الثعالب، فهو عصرٌ لم تسلم فيه براجمهم من الأوخاز، فنهشتهم شعوب الكفر وطحنهم تنازع البقاء، والمحافل الدولية الكافرة ماذا عساها أن تفعل إذا كانت على غير الإسلام، وإن زعموا العدل فيها؟ فمنطق الحال أن العدل عند بعضهم لا يوجد إلا حيث يوجد الجور، ولا يوجد السلم إلا حيث توجد الحرب، إنها في الحقيقة تصف المالك الطريد إرهابياً لا حق له، وتجعل اللص الغالب على المقدسات رب بيت محترماً، يملك الأرض لا بالإحياء الشرعي، ولكن بالإماتة الجماعية والقهر النفسي، بل لربما راق لبعض المسلمين أن يلعقوا جراحهم ويبتسموا للناهب، وأن يعتبروا حقهم باطلاً، وباطل غيرهم حقاً.

بل إن لسان حالهم يقول لهم: حقنا عليكم أن تقولوا:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم وتخطئون فنأتيكم ونعتذر

كمثل الحسك المثلث كله شوك حيثما قلبته، ثم يسدلون عليهم بعد ذلك أستار الغمط وبطر الحق، ومن ثَمَّ تخلق آثار عبرية على أشلاء معالم عربية مسلمة، ويجعل الحاضر الكاذب امتداداً لهيكل ماض مختلق، إنما هو إعصار من الوهم، وتيارٌ من هواجس الخيال، يحملقون بسببه إلى مواقع رغبتهم الخربة، سائرين لا يطرف لهم طرف، ولا يغمض لهم جفن، حتى يعلنوا السيادة، وتنقسم علائق الآمال لدى المشرئبين لعود حقوقهم السليبة، بعد أن مسهم الضر من إفراط ذي المطامع، حتى ردوهم عن بلوغ الأرب، وهموا بما لم ينالوا، ثم وقرت أسماعهم عن حيس همسات الغيلة.

ألا إن من اللافت الملاحظ أن هناك خليطاً ممتزجا من الساسة والمتفيهقين وسماسرة الاستعمار الثقافي؛ هم في الحقيقة جهلة خراطون، يهرفون بما لا يعرفون: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الانشقاق:٢٣] تسربلوا بسرابيل الإفرنج، هم من أحرص الناس على التشدق بهذا البدع الجديد، الذي يعلنون من خلاله الحرب على الدين الإسلامي نفسه تحت شعار محاربة الإرهاب، تلكم الكلمة التي شغلت مناطق اللهازم، فلاكتها الألسن، ورمت بها الأفواه في المحافل والمجامع كل مرمى، حتى صارت تكئة للمتكلمين، يلجأ إليها العيي في تهتهته، والمتربص في زغزغته، ممن يتلونون كالحرباء، ويتشكلون كالأغوال، ممن لم يكمن رضاهم بالإسلام، وإن كانوا لم يقنعوا بالكفر، حتى عدوها عنواناً على النقص، فإذا ما رأوا ملتزماً بالدين عبسوا في وجهه وبسروا.

والحق المقرر -عباد الله- الذي لا ينكره إلا غر مكابر، أن تحجب المرأة المسلمة ليس إرهاباً، وليس التحاء الرجل إرهاباً، وليس اعتبار العربية هي اللغة الأولى للأمة إرهاباً، وليس رفض تحكيم غير شرع الله إرهاباً، إنه هذا كله دين والتشبث به فريضة، والدفاع عنه لون من ألوان الحقوق لكل مسلم، ومن ثَمَّ فإن عقلاء المسلمين يأبون مسالك الرويبضة الذين يتصايحون ضد هذا الاتجاه.

ثم هم يرون أن عمل هؤلاء نوع من الفراغ الديني، وهو أخطر وأهوى، والفراغ الديني الذي هو انسلاخ من شعائر الإسلام كفر بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفارغين من الإيمان بالله ورسوله تربوا على موائد الاستعمار ورضعوا من ثديه، فهم يرتقبون أي تصرف غير موجه الوجه الشرعي حسب الاجتهاد ليجتاحوا حقيقة الإسلام كلها.

والمسلمون بعامة عليهم ألا يكترثوا بأمر ليس له من دين الله سناد، وليس من الحق في ورد ولا صدر، ولا هو من بابته، وأنهم سيلاقون في جرأتهم على الانتساب إلى الدين عنتاً وشدة، فلا ينبغي أن يعنيهم قسوة النقد ولا جراحة الألسن، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤١-٤٢] .

إن هذا البلاء ليس بدعة في العصر الحديث الذي بلغ الغاية في تشويه الحقائق، بل إن منطق الحاقدين واحدٌ، وإن تطاولت القرون وامتدت سحائبها، فلقد قال الله جل وعلا: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:٢٦] ، ولكن صدق الله حيث قال: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩] .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، وفك أسر المأسورين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم لتحيي به البلاد وتسقي به العباد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.